إذا حضر عند القاضى خصمان وادعى أحدهما على الآخر حقا يصح فيه دعواه وسأل القاضى مطالبة الخصم بالخروج من دعواه طالبه وإن لم يسأله مطالبة الخصم ففيه وجهان:
(أحدهما)
أنه لا يجوز للقاضى مطالبته لان ذلك حق للمدعى فلا يجوز استيفاؤه من غير إذنه.
(والثانى)
وهو المذهب أنه يجوز له مطالبته لان شاهد الحال يدل على الاذن في المطالبة، فإن طولب لم يخل إما أن يقر أو ينكر أو لا يقر ولا ينكر فإن أقر لزمه الحق ولا يحكم به إلا بمطالبة المدعى، لان الحكم حق له فلا يستوفيه من غير إذنه، فإن طالبه بالحكم حكم له عليه وإن أنكر فإن كان المدعى لا يعلم أن له إقامة البينه قال له القاضى الك بينة، وان كان يعلم فله أن يقول ذلك وله أن يسكت، وإن لم تكن له بينة وكانت الدعوى في غير دم فله أن يحلف المدعى عليه ولا يجوز للقاضى إحلافه إلا بمطالبة المدعى، لانه حق له فلا يستوفيه من غير اذنه، وان أحلفه قبل المطالبة لم يعتد بها لانها يمين قبل وقتها وللمدعى أن يطالب بإعادتها لان اليمين الاولى لم تكن يمينه، وان أمسك المدعى عن احلاف المدعى عليه ثم أراد أن يحلفه بالدعوى المتقدمة جاز لانه لم يسقط حقه من اليمين وانما أخرها.
وان قال أبرأتك من اليمين سقط حقه منها في هذه الدعوى وله أن يستأنف
الدعوى لان حقه لم يسقط بالابراء من اليمين، فإن استأنف الدعوى فأنكر المدعى عليه فله أن يحلفه لان هذه الدعوى غير الدعوى التى أبرأه فيها من اليمين فإن حلف سقطت الدعوى، لما روى وائل بن حجر أن رجلا من حضرموت ورجلا من كندة أَتَيَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ الحضرمي هذا غلبنى على أرض ورثتها من أبى، وقال الكندى أرضى وفى يدى أزرعها لا حق له