تحمل الشهادة واداؤها فرض لقوله عز وجل (ولا يأب الشهداء إذاما دعوا) وقوله تعالى (ولا تكتمو الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) قال ابن عباس رضى الله عنه من الكبائر كتمان الشهادة، لان الله تعالى يقول (ومن يكتمها فإنه آثم قلبه) فهى فرض على الكفاية، فإن قام بها من فيه كفاية سقط الفرض عن الباقين لان المقصود بها حفظ الحقوق وذلك يحصل ببعضهم، وإن كان في موضع لا يوجد فيه غيره ممن يقع به الكفاية تعين عليه، لانه لا يحصل المقصود إلا به فتعين عليه، ويجب الاشهاد على عقد النكاح وقد بيناه في النكاح وهل يحب على الرجعة؟ فيه قولان وقد بيناهما في الرجعة.
وأما ما سوى ذلك من العقود فالبيع والاجارة وغيرهما فالمستحب أن يشهد عليه لقوله تعالى (وأشهدوا إذا تبايعتم) ولا يَجِبُ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابتاع من أعرابي فرسا فجحده، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ يشهد لى؟ فقال خزيمة بن ثابت الانصاري أنا أشهد لك، قال لم تشهد ولم تحضر فقال نصدقك على أخبار السماء ولا نصدقك على أخبار الارض، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم ذا الشهادتين.
(فصل)
ومن كانت عنده شهادة في حد لله تعالى فالمستحب أن لا يشهد به لانه مندوب إلى ستره ومأمور بدرئه، فإن شهد به جاز، لانه شهد أبو بكرة ونافع وشبل بن معبد على المغيرة بن شعبة بالزنا عند عمر رضى الله عنه فلم ينكر عمر ولا غيره من الصحابة عليهم ذلك.
ومن كانت عنده شهادة لآدمي، فإن كان صاحبها يعلم بذلك لم يشهد قبل أن يسأل لقوله عليه الصلاة والسلام: خير الناس قرنى ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يفشو الكذب حتى شهد الرجل قبل أن يستشهد، وإن كان صاحبها لا يعلم شهد قبل أن يسأل، لما روى زيد بن خالد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم