عنه بين المواشى والزرع، بأن الماشية ذات أرواح يخشى من عطشها موتها، بخلاف الزرع، وبهذا أجاب النووي وغيره.
واستدل لمالك بحديث جابر في صحيح مسلم الذى ذكرناه لاطلاقه وعدم تقييده، وتعقب بأنه يحمل على المقيد، وعلى هذا لو لم يكن هناك كلا يرعى فلا منع من لانتفاء العلة.
على أنه ليس هناك صارف يصرف النهى عن معناه
الحقيقي من التحريم، لا سيما وأن النهى مصحوب في بعض روايات الحديث بالوعيد.
وقال في الفتح، وظاهر الحديث وجوب بذله مجانا وبه قال الجمهور.
وقيل: لصاحبه طلب القيمة من المحتاج إليه كما في طعام المضطر وتعقب بأنه يلزم منه جواز البيع حالة امتناع المحتاج من بذل القيمة، ورد بمنع الملازمة فيجوز أن يقال يجب عليه البذل وتثبت له القيمة في ذمة المبذول له، فيكون له أخذ القيمة منه متى أمكن، ولكنه لا يخفى أن رواية لا يباع فضل الماء، ورواية النهى عن بيع فضل الماء يدلان على تحريم البيع، ولو جاز له أخذ العوض لجاز له البيع.
وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تعالى
(فصل)
وأما المباح فهو الماء الذى ينبع في الموات، فهو مشترك بين الناس لقوله صلى الله عليه وسلم (الناس شركاء في ثلاثة، الماء والنار والكلا) فمن سبق منهم إلى شئ منه كان أحق به، لقوله صلى الله عليه وسلم (من سبق إلى ما لم يسبق إليه، فهو أحق به) فإن أراد أن يسقى منه أرضا، فإن كان نهرا عظيما كالنيل والفرات وما أشبههما من الاودية العظيمة، جاز أن يسقى منه ما شاء ومتى شاء، لانه لا ضرر فيه على أحد، وإن كان نهرا صغيرا لا يمكن سقى الارض منه الا أن يحبسه، فان كانت الارض متساوية، بدأ من أول النهر، فيحبس الماء حتى يسقى أرضه إلى أن يبلغ الماء إلى الكعب، ثم يرسله إلى من يليه، وعلى هذا إلى أن تنتهى الاراضي، لِمَا رَوَى عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قضى في شرب نهر من سيل أن للاعلى أن يشرب قبل الاسفل، ويجعل الماء فيه إلى الكعب، ثم يرسله إلى الاسفل الذى يليه كذلك، حتى تنتهى