ونحن نعلم أن كلهم كذبة إلا واحدة بغير عينه، فرد عليه ابن داود فقال: كما لو ادعاها عشرة واقام كل واحد منهم بينة عليها، قسمتها بينهم، وان صدق جميعهم مستحيلا، كذلك إذا وصفوها كلهم.
والجواب عن هذا من وجهين: أحدهما: أن كذب المدعى أسقط الدعوى من كذب الشهود، ألا ترى أن إكذاب المدعى لنفسه مبطل للدعوى وإكذاب الشهود لانفسهم غير مبطل للدعوى.
والثانى أن البينة هي أقصى ما يقدر عليه المدعى وأقوى ما يحكم به الحاكم، فدعت ضرورة الحاكم في البينة إلى ما لم
يدعه من الصفة.
وأما الجواب عن قولهم: اعرف عفاصها ووكاءها فهو أن ذلك منه لا لدفعها بصفة العفاص والوكاء ووجوب رده معه، ولكن لمعان هي أخص بمقصود اللقط، منها أن بينته بحفظ العفاص والوكاء ووجوب رده مع قلته ونزارته على حفظ ما فيه ووجوده مع كثرته.
ومنها أن يتميز بذلك عن ماله ومنها جواز دفعها بالصفة، وإن لم يجب، وعلى هذا المعنى نحمل حديث سويد بن غفله الذى جعلوه نصا.
وأما استدلالهم فنحن ما جعلنا الامارة على الصدق حجة في قبول الدعوى وإنما جعلنا الايمان بعدها حجة، وأما استدلالهم بأن البينات في الاصول مختلفة فصحيح، وليس في جميعها بينة تكون بمجرد الصفة، ولا يكون تعذر البينة موجبا ان تكون الصفة بينه.
الا ترى أن السارق تتعذر إقامة البينه عليه، ولا يكون صفة ما بيده لمدعى سرقته حجة.
فإذا ثبت أن دفعها بالصفة لا يجب فدفعها بالصفة وسعه ذلك إذا لم يقع في نفسه كذبه، فان أقام غيره البينه عليها بشاهدين أو شاهد وإمرأتين أو شاهد ويمين كان مقيم البينة أحق بها من الآخذ لها بالصفة، فان كانت باقية في يد الواصف انتزعت منه لمقيم البينه، وان كان قد استهلكها نظر في الدافع لها فان كان قد دفعها بحكم حاكم فصاحب البينه الخيار في الرجوع بغرمها على الآخذ لها بالصفة، وان كان قد دفعها بغير حكم حاكم فصاحب البينه الخيار في الرجوع