والمدار هنا على ما يليق بحفظ المال والمؤن، والغالب استواء المحلة فيهما.
ويشهد لذلك قولهم: المراد بمحل العقد هنا محلته لا خصوص محله فيهما، ولهذا قالوا: لو قال تسلمه لى في بلد كذا وهى غير كبيرة كفى إحضاره في أولها وإن بعد عن منزله، أو في أي محل شئت منه صح ما لم يتسع، ومتى اشترط التعيين فتركه لم يصح العقد، ومن ثم عرف صحة كلام ابن الرفعة: إن محل قولهم السلم الحال يتعين فيه موضع العقد للتسليم مطلقا حيث كان صالحا له، وإلا كأن أسلم في كثير
من الشعير وهما سائران في البحر، فالظاهر اشتراط التعيين كما هو ظاهر كلام الائمة، وإن توقف فيه بعضهم، إذ هو ظاهر، وجزم به غيره لان من شرط الصحة القدرة على التسليم وهو حال وقد عجز عنه في الحال، وحينئذ فلا فرق بين الحال والمؤجل إذا لم يكن الموضع صالحا في اشتراط التعيين.
ويدل عليه كلام الماوردى أيضا، والكلام في السلم المؤجل.
أما الحال فيتعين فيه موضع العقد للتسليم، أي إذا كان صالحا وإلا اشترط بما فيه من التفصيل، وحينئذ فقد افترق الحال والمؤجل من بعض الوجوه، وذلك كاف في صحة المفهوم.
وقد اختلف أئمة المذاهب في تعيين مكان الايفاء، فقال ابن المنذر: لا يشترط تعيين مكان الايفاء.
وحكاه عن أحمد وإسحاق وطائفة من أهل الحديث.
وبه قال أبو يوسف ومحمد وهو أحد قولى الشافعي لقوله صلى الله عليه وسلم " في كيل معلوم أو وزن معلوم إلى أجل معلوم " ولم يذكر مكان الايفاء، فدل على أنه لا يشترط وفى الحديث الذى فيه " ان اليهودي أسلم إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: أما من حائط بنى فلان فلا، ولكن كيل مسمى إلى أجل مسمى " رواه ابن ماجه ولم يذكر مكان الايفاء، ولانه عقد معاوضة فلا يشترط فيه مكان الايفاء كبيوع الاعيان وقال الثوري: يشترط ذكر مكان الايفاء، وهو القول الثاني للشافعي، وقال الاوزاعي هو مكروه، لان القبض يجب بحلوله ولا يعلم موضعه حينئذ، فيجب شرطه لئلا يكون مجهولا، وقال أبو حنيفة وهو قول أصحابنا: إن كان لحمله مئونة وجب شرطه، والا فلا يجب، لانه إذا كان لحمله مئونة اختلف فيه