فأى حاضر باع لباد فهو عاص إذا علم الحديث، والبيع لازم غير مفسوخ بدلالة الحديث نفسه، لان البيع لو كان مفسوخا لم يكن في بيع الحاضر للبادى إلا الضرر على البادى من أن يحبس سلعته ولا يجوز فيها بيع غيره حتى يلى هو أو باد مثله بيعها، فيكون كسدا لها، وأحرى أن يرزق مشتريه منه بإرخاصه إياها بإكسادها بالامر الاول من رد البيع وغرة البادى الآخر، فلم يكن ههنا معنى يمنع أن يرزق بعض الناس من بعض فلم يجز فيه - والله أعلم - إلا ما قلت من ان بيع الحاضر للبادى جائز غير مردود، والحاضر منهى عنه.
اه والشوكانى يرى أن أحاديث الفصل تدل على أنه لا يجوز للحاضر أن يبيع للبادى من غير فرق بين أن يكون البادى قريبا له أو أجنبيا، وسواء كان في زمن الغلاء أو لا، وسواء كان يحتاج إليه أهل البلد أم لا، وسواء باعه له على التدريج أم دفعة واحدة.
وقالت الحنفية: انه يختص المنع من ذلك بزمن الغلاء وبما يحتاج إليه أهل المصر.
وقالت الشافعية ووافقهم الحنابلة أن الممنوع إنما هو أن يجئ البلد بسلعة يريد بيعها بسعر الوقت في الحال فيأتيه الحاضر فيقول: ضعه عندي لابيعه لك على التدريح بأغلى من هذا السعر.
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري " فجعلوا الحكم منوطا بالبادى ومن شاركه في معناه قالوا وانما ذكر البادى في الحديث لكونه الغالب فألحق به من شاركه في عدم معرفة السعر من الحاضرين، وجعلت المالكية البداوة قيدا.
وعن مالك لا يلتحق بالبدوى في ذلك الا من كان يشبهه، فأما أهل القرى الذين يعرفون أثمان السلع والاسواق فليسوا داخلين في ذلك.
وحكى ابن المنذر عن الجمهور أن النهى للتحريم إذا كان البائع عالما، والمبتاع مما تعم الحاجة إليه، ولم يعرضه البدوى على الحضرى، ولا يخفى أن تخصيص العموم بمثل هذه الامور من التخصيص بمجرد الاستنباط.
وقد ذكر ابن دقيق العبد فيه تفصيلا حاصله أنه يجوز التخصيص به حيث يظهر المعنى لا حيث يكون خفيا على أن الشوكاني رحمه الله من مجتهدي الهادوية يتردد في قبول هذه القاعدة