قال الحاكم: قد شهد عمر بن عبد العزيز وإما عصره الزهري بالصحة لهذا الكتاب.
أما الاحكام فإنه لا يجب على الصبى والمجنون قصاص لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثلاث، عن الصبي حتى يحتلم، وَعَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يفيق " ولان القصاص من حقوق الابدان، وحقوق الابدان لا تجب على الصبي والمجنون كما قلنا في الصلاة والصوم، وإن قتل السكران من يكافئه عمدا فهل يجب عليه القصاص؟ فِيهِ طَرِيقَانِ، مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ قَالَ فِيهِ قَوْلَانِ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يجب فيه القصاص قولا واحدا، وقد مضى ذكر ذلك في الطلاق.
وان قتل رجلا وهو عاقل ثم جن أو سكر لم يسقط عنه القصاص، لان القصاص قد وجب عليه فلا يسقط بالجنون والسكر كما لا يسقط عنه ذلك بالنوم وقال الحنابلة في القصاص على السكران إذا قتل حال سكره بناء على وقوع طلاقه وفيه روايتان فيكون في وجوب القصاص عليه وجهان
(أحدهما)
أنه أشبه بالمجنون لزوال عقله، ولانه غير مكلف أشبه الصبى والمجنون.
ورجح ابن قدامة منهم القصاص، لان الصحابة رضى الله عنهم أقاموا سكره مقام قذفه فأوجبوا عليه حد القاذف فلولا أن قذفه موجب للحد عليه لما وجب الحد بخطيئته.
وإذا وجب الحد فالقصاص المتمحض حق آدمى أولى، ولانه حكم لو لم يجب القصاص والحد لافضى إلى أن من أراد أن يعصي الله تعالى شرب ما يسكره ثم يقتل ويزنى ويسرق، ولا يلزمه عقوبة ولا مأتم، ويصير عصيانه سببا لسقوط عقوبة الدنيا والآخره عنه، ولاوجه لهذا، وفارق هذا الطلاق، ولانه قول يمكن الغاؤه بخلاف القتل.
فأما أن شرب أو أكل ما يزيل عقله غير الخمر على وجه محرم - فإن زال عقله بالكلية بحيث صار مجنونا فلا قصاص عليه ; وان كان يزول قريبا ويعود من غير تداو فهو كالسكر على ما فصل فيه.
(مسألة) وان كان الجاني والمجني ممن يجد أحدهما بقذف الآخر فقد ذكرنا أنه يجب القصاص على الجاني فإن قتل المسلم مسلما والكافر كافرا، سواء كانا على دين واحد أو على دينين، أو قتل الرجل رجلا أو المرأة امرأة، وقتل الحر حرا