وأما إذا لم يكن له مال وقال: أنا معسر وكذبه الغريم نظرت، فإن حصل بمعاوضة كالديون التجارية وهى تختلف في عصرنا هذا عن الديون المدنية، وهى في عرف الفقهاء أعنى ديون المعاوضة مثل البيع والسلم والقرض فتشمل الديون المدنية والتجارية، أما غير المعاوضة فهى الديون الجنائية ومهر الزوجة، أقول إذا كان الدين من الصنف الاول، وأنه قد صرف له قبل ذلك لم تقبل دعواه أنه معسر، لانه قد ثبت ملكه للمال، والاصل بقاؤه، فلا نقبل قوله في الاقرار، بل يحبسه الحاكم - وهو ما يعمل به في المحاكم والوضعية من الحكم بالسجن على المتفالس، الذى يأخذ أموال الناس وبضائعهم ويدعى الافلاس فيسقط اعتباره ويسجن إلى خمس سنين - فان قال: غريمي يعلم أنى معسر أو أن مالى هلك.
فان صدقه الغريم على ذلك خلى من الحبس.
وإن كذبه حلف الغريم أنه ما يعلم أنه معسر أو ما يعلم أن ماله هلك وحبس من عليه الدين، فان أراد أن يقيم البينة على الاعسار لم تقبل إلا من شهادة شاهدين من أهل الخبرة والتحقيق واستقصاء أوجه الدخل والخرج كمحاسبين أمينين وهذا هو نصهم " من أهل الخبرة الباطنة " فان كانت البينة من أهل الخبرة الباطنة سمعت.
وقال مالك رضى الله عنه: لا تسمع لانها شهادة على النفى فلم تقبل.
دليلنا حديث قبيصة بن المخارق الهلالي عند مُسْلِمٍ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " يا قبيصة بن مخارق لا تحل المسألة إلا لثلاثة، رَجُلٌ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يؤديها ثم يمسك، ورجل أصابته فاقة وحاجة حتى شهد أو تكلم ثلاثة من ذوى الحجى من قومه أن به حاجة، فحلت له المسألة حتى يصيب سدادا من عيش أو قواما " وما ذكر من أنها شهادة نفى غير صحيح، لانها وان كانت تتضمن النفى فهى تثبت حالا تظهر ويقف عليها الشاهد كما لو شهد أن لا وارث له غير هذا.
وان أراد أن يقيم البينة على تلف ماله، قبلت شهادة عدلين سواء كانا من أهل الخبرة أم لا، لان التلف أمر يدركه كل واحد من خلطائه أو المباشرين له أو من كانوا من المال عن كثب، كأن كانوا عمالا عنده أو عند جيرانه أو مالك