ولان دفعهم قد حصل وما يخاف من رجوعهم لا يوجب قتالهم كما لو تفرقوا، وإن حضر معهم من لا يقاتل ففيه وجهان
(أحدهما)
لا يجوز قتله، لان قتالهم للكف وقد كف نفسه، وهو مذهب أحمد
(والثانى)
يجوز قصد قتله، لان عليا رضى الله عنه نهاهم عن قتل محمد بن طلحة فقلته، ولم ينكر على، ولانه صار ردا لهم، وإن قاتل مع أهل البغى نساؤهم وصبيانهم جاز قتلهم مقبلين، لان هذا القتال لدفعهم عن النفس كما يجوز له قتل من قصد نفسه في غير أهل البغى، وإن كان لرجل من أهل العدل قريب في أهل البغى يقاتل فيستحب له أن ينحرف من قتله مادام يمكنه ذلك لقوله تعالى (وإن جاهداك على أن تشرك بى ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا) فأمره بمصاحبتهما بالمعروف في أسوا حالهما، وهو دعوتهما إياه إلى الشرك.
وروى أن أبا بكر أراد أن يقتل أبا قحافة يوم أحد فكفه النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فإن لم يمكنه قتال أهل البغى إلا بقتل أبيه فقتله فلا شئ عليه لما روى أن أبا عبيدة قتل أباه، وقال للنبى صلى الله عليه وسلم سمعته يسبك وإذا ثبت هذا في حق المشرك كان في حق أهل البغى مثله
قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
ولا يقتل أسيرهم لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عبد الله ابن مسعود (ولا يقتل أسيرهم) فإن قتله ضمنه بالدية، لانه بالاسر صار محقون الدم، فصار كما لو رجع إلى الطاعة، وهل يضمنه بالقصاص؟ فيه وجهان
(أحدهما)
يضمنه لما ذكرناه
(والثانى)
لا يضمنه، لان أبا حنيفة رحمه الله يجيز قتله فصار ذلك شبهة
في إسقاط القود، فإن كان الاسير حرا بالغا فدخل في الطاعة أطلقه، وإن لم يدخل في الطاعة حبسه إلى أن تنقضي الحرب ليكف شره ثم يطلقه، ويشرط عليه أن لا يعود إلى القتال، وإن كان عبدا أو صبيا لم يحبسه، لانه ليس من أهل البيعة.
ومن أصحابنا من قال يحبسه، لان في حبسه كسرا لقولبهم