فإن قدر الامام على قهرهما لم يعاون إحداهما على الاخرى لانهما على الخطأ والمعونة على الخطأ خطأ، وإن كان لا يقدر على قهرهما ضم إلى نفسه أقربهما إلى الحق وقاتل معها الطائفة الاخرى، ولا يقصد بقتاله معاونة الطائفة التى ضمها إلى نفسه، وانما يقصد رد الذين يقاتلون إلى طاعته، فإذا انهزمت الطائفة التى قاتلها أو رجعت إلى طاعته لم يقاتل الطائفة التى ضم إلى نفه حتى يدعوهم إلى طاعته، لانه بضمهم إليه صار إماما لهم، فإذا امتنعت من الدخول في طاعته قاتلهم فإن استوت الطائفتان اجتهد في أقربها إلى الحق وضم نفسه إليها.
وهذا كله كمذهب أحمد.
ولا يجوز لاهل العدل أخذ أموال أهل البغى لقوله صلى الله عليه وسلم (ولا يقسم فيؤهم) وقد استؤذن على يوم الجمل في النهب فقال: انهم يحرمون بحرمة الاسلام ولا يحل مالهم، فإن انقضت الحرب ورجعوا إلى الطاعة وكان في يد أهل العدل مال لاهل البغى أو في يد أهل البغى مال لاهل العدل وجب رد كل مال إلى مالكه لقول النبي صلى الله عليه وسلم (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِطِيبِ نفس منه) ولانه مسلم فلم يجز الانتفاع بماله من غير اذنه كغير الكراع والسلاح وكأهل العدل.
وان دعته ضرورة بأن ذهب سلاحه أو خاف على نفسه جاز أن يندفع عن نفسه بسلاحه، فكذلك ان خاف على نفسه وأمكنه أن ينجو على دابة لهم جاز له ذلك، لانه لو اضطر إلى ذلك من مال أهل العدل لجاز له الانتفاع به فكذلك إذا اضطر إلى ذلك من أموال أهل البغى
قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
وان أتلف أحد الفريقين على الاخر نفسا أو مالا في غير القتال وجب عليه الضمان، لان تحريم نفس كل واحد منهما وماله كتحريمهما قبل البغى فكان ضمانهما كضمانهما قبل البغى، وان أتلف أهل العدل على أهل البغى نفسا أو مالا في حال الحرب بحكم القتال لم يجب عليه الضمان، لانه مأمور بإتلافه فلا يلزمه ضمانه، كما لو قتل من يقصد نفسه أو ماله من قطاع الطريق.