إلى صناعة طائفة متخصصة، كالفلاحة والنساجة والبناء وغير ذلك، فلولى الامر أن يلزمهم بذلك بأجرة مثلهم، فإنه لا تتم مصلحة الناس إلا بذلك.
والمقصود أن هذه الاعمال متى لم يقم بها إلا شخص واحد صارت فرضا معينا عليه، فإذا كان الناس محتاجين إلى فلاحة قوم أو نساجتهم أو بنائهم، صارت هذه الاعمال مستحقة عليهم، يجبرهم ولى الامر عليها بعوض لمثل، ولا يمكنهم من مطالبة الناس بزيادة عن عوض المثل، ولا يمكن الناس من ظلهم بأن يعطوهم دون حقهم، كما إذا احتاج الجند المرصدون للجهاد إلى فلاحة أرضهم.
وألزم من صناعته الفلاحة أن يقوم بها، ألز؟ الجند بأن لا يظلموا الفلاح.
كما يلزم الفلاح بأن يفلح.
ولو اعتمد الجند والامراء مع الفلاحين ما شرعه الله ورسوله وجاءت به السنة وفعله الخلفاء الراشدون، لاكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولفتح الله عليهم بركات من السماء والارض، وكان الذى يحصل لهم من المغل أضعاف ما يحصلونه بالظلم والعدوان، ولكن يأبى جهلهم وظلمهم الا أن يرتكبوا الظلم والاثم، فيمنعوا البركة وسعة الرزق، فيجتمع لهم عقوبة الآخرة ونزع البركة في الدنيا (فإن قيل) وما الذى شرعه الله ورسوله، وفعله الصحابة، حتى يفعله من وفقه الله؟
قيل المزارعة العادلة التى يكون فيها المقطع والفلاح على حد سواء من العدل لا يختص أحدهما عن الآخر بشئ من هذه الرسوم التى ما أنزل الله بها من سلطان (١) وهى التى خربت البلاد، وأفسدت العباد، ومنعت الغيث وأزالت البركات، وعرضت أكثر الجند والامراء لاكل الحرام.
وإذا نبت الجسد على الحرام فالنار أولى به.
(١) يصف الفقيه ابن القيم حال البلاد الشامية والمصرية على عهد أمراء المماليك حين يسخرون الفلاحين في خدمة الارض ويستغل المقطعون أو ذووا الاقطاعات جهود الفلاحين أسوأ استغلال، تمنص الارض عرقهم، ويأكلون هم وطبقتهم ثمرات هذا العرق، حتى ألهم الله ابن القيم أن يلهب ظهورهم بسوط الشرع كما ألهبوا ظهور الفلاحين بسياط الجيروت، فمرحى لابن القيم مرحى؟ " المطيعى "