الحكم إما يحتاج إليه في أمر محتمل وما تظاهروا به لا يحتمل غير نقض العهد، وإن نقض بعضهم وسكت الباقون ولم ينكروا ما فعل الناقض انتقضت الهدنة في حق الجميع.
والدليل عليه أن ناقة صالح عليه السلام عقرها القدار العبزار بن سالف وأمسك عنها القوم فأخذهم الله تعالى جميعهم به، فقال الله عز وجل (فدمدم
عليهم ربهم بذنبهم فسواها ولا يخاف عقباها) ولان النبي صلى الله عليه وسلم وادع بنى قريظة وأعان بعضهم أبا سفيان بن حرب على حرب رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الخندق، وقيل إن الذى أعان منهم ثلاثة: حى بن أخطب وأخوه وآخر معهم، فنقض النبي صلى الله عليه وسلم عهدم وغزاهم وقتل رجالهم وسبى دراريهم، ولان النبي صلى الله عليه وسلم هادن قريشا بالحديبية وكان بنو بكر حلفاء قريش وخزاعة حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحاربت بنو بكر خزاعة، وأعان نفر من قريش بنى بكر على خزاعة، وأمسك سائر قريش، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك نقضا لعهدم وسار إليهم حتى فتح مكة، ولانه لما كان عقد بعضهم الهدنة أمانا لمن عقد ولمن أمسك وجب أن يكون نقض بعضهم نقضا لمن نقض ولم أمسك.
وإن نقض بعضهم العهد وأنكر الباقون أو اعتزلوهم أو راسلوا إلى الامام بذلك انتقض عهد من نقض وصار حربا لنا بنقضه ولم ينتقض عهد من لم يرض لانه لم ينقض العهدو لا رضى بفعل من نقض، فإن كان من لم ينقض مختلطا بمن نقض أمر من لم ينقض بتسليم من نقض إن قدروا أو بالتميز عنهم، فإن لم يفعلوا أحد هذين مع القدرة عليه انتقضت هدنتهم، لانهم صاروا مظاهرين لاهل الحرب، وإن لم يقدروا على ذلك كان حكمهم حكم من أسره الكفار من المسلمين وقد بيناه في أول السير، وإن أسر الامام قوما منهم وادعو أنهم ممن لم ينقض العهد وأشكل عليه حالهم قبل قولهم، لانه لا يتوصل إلى معرفة ذلك إلا من جهتهم.
(فصل)
وان ظهر مهم من يخاف معه الخيانة جاز للامام أن ينبذ إليهم عهدهم لقوله عز وجل (وإما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله