وإن كانت المعصية بالقول فإن كانت ردة فالتوبة منها أن يظهر الشهادتين، وإن كانت قذفا فقد قال الشافعي رحمه الله التوبة منه إكذابه نفسه.
واختلف أصحابنا فيه فقال أبو سعيد الاصطخرى رحمه الله: هو أن يقول كذبت فيما قلت ولا أعود إلى مثله.
ووجهه ما روى عن عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم قال (توبة القاذف إكذابه نفسه) وقال أَبُو إِسْحَاقَ
وَأَبُو عَلِيِّ بْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ: هو أن يقول قذفي له كان باطلا، ولا يقول إنى كنت كاذبا لجواز أن يكون صادقا فيصير بتكذيبه نفسه عاصيا كما كان بقذفه عاصيا، ولا تصح التوبة منه إلا بإصلاح العمل على ما ذكرناه في الزنا والسرقة.
وفأما إذا شهد عليه بالزنا ولم يتم العدد فإن قلنا إنه لا يجب عليه الحد فهو على عدالته ولا يحتاج إلى التوبة، وإن قلنا انه يجب عليه الحد وجبت التوبة، وهو أن يقول ندمت على ما فعلت ولا أعود إلى ما أنهم به، فإذا قال هذا عادت عدالته، ولا يشترط فيه إصلاح العمل، لان عمر رضى الله عنه قال لابي بكرة تب أقبل شهادتك، وان لم يتب لم تقبل شهادته ويقبل خبره لان أبا بكره ردت شهادته وقبلت أخباره، وان كانت معصية بشهادة زور فالتوبة منها أن يقول كذبت فيما قلت ولا أعود إلى مثله، ويشترط في صحة توبته إصلاح العمل على ما ذكرناه.
(فصل)
وان شهد صبى أو عبد أو كافر لم تقبل شهادته، فإن بلغ الصبى أو أعتق العبد أو أسلم الكافر وأعاد تلك الشهادة قبلت، وان شهد فاسق فردت شهادته ثم تاب وأعاد تلك الشهادة لم تقبل.
وقال المزني وأبو ثور رحمهما الله تقبل كما تقبل من الصبى إذا بلغ والعبد إذا أعتق والكافر إذا أسلم، وهذا خطأ لان هؤلاء لا عار عليهم في رد شهادتهم فلا يلحقهم تهمة في اعادة لشهادة بعد الكمال، والفاسق عليه عار في رد شهادته فلا يؤمن أن يظهر لتوبة لازالة العار فلا تنفك شهادته من التهمة، وان شهد المولى لمكاتبه بمال فردت شهادته ثم أدى المكاتب مال الكتابة وعتق وأعاد المولى الشهادة له بالمال فقد قال أبو العباس فيه وجهان.
(أحدهما)
أنه تقبل لان شهادته لم ترد بمعرة وانما ردت لانه ينسب لنفسه