وأما بيان ما يبطل به الاقرار بعد وجوده فيبطل بشيئين
(أحدهما)
تكذيب المقر له في أحد نوعي الاقرار بحقوق العباد، لان إقرار المقر دليل لزوم المقر به، وتكذيب المقر له دليل عدم اللزوم، واللزوم لم يعرف ثبوته فلا يثبت مع الشك
(والثانى)
رجوع المقر عن إقراره فيما يحتمل الرجوع في أحد نوعي الاقرار بحقوق الله تبارك وتعالى خالصا، كحد الزنا يحتمل أن يكون صادقا في الانكار فيكون كاذبا في الاقرار ضرورة فيورث شبهة في وجوب الحد، وسواء رجع قبل القضاء أو بعده، قبل تمام الجلد أو الرجم قبل الموت لما قلنا وروى أن ماعزا لما رجم بعض الحجارة هرب من أرض قليلة الحجارة إلى أرض كثيرة الحجارة، فلما بلغ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عليه الصلاة والسلام (سبحان الله هلا خليتم سبيله) وكذلك الرجوع عن الاقرار بالسرقة والشرب لان الحد الواجب بهما حق الله سبحانه وتعالى خالصا فيصح الرجوع عن الاقرار بهما، إلا أن في السرقة يصح الرجوع في حق القطع لا في حق المال، لان القطع حق الله تعالى على الخلوص فيصح الرجوع عنه، فأما المال فحق العبد فلا يصح الرجوع فيه.
وأما حد القذف فلا يصح الرجوع عن الاقرار فيه، لان للعبد فيه حقا فيكون متهما في الرجوع فلا يصح الرجوع عن سائر الحقوق المتمحضة للعباد، وكذلك الرجوع عن الاقرار بالقصاص، لان القصاص خالص حق العباد فلا يحتمل الرجوع قال ابن حزم في مراتب الاجماع بعد أن ذكر وجوب الرجم على من أقر بالزنا (واختلفوا أيقبل رجوعه أم لا؟ واختلفوا إذا أقر بعد البينة أتبطل البينة ويرجع الحكم إلى حكم الاقرار ويسقط عنه الحد برجوعه أم لا)
قال الشوكاني في الدرر البهية (ويسقط الحد بالشبهات وبالرجوع عن الاقرار) وقال في السرقة (ويكفى الاقرار مرة واحدة) .
وقال صديق حسن خان في الروضة الندية شرح الدرر البهية، وبالرجوع عن الاقرار، لحديث أبى هريرة عند أحمد والترمذي (أن ماعزا لما وجد مس الحجارة فر يشتد حتى مر برجل معه لحى جمل (أي عظم الحنك) فضربه به