فإن قبل قول رب الدابة في ماله سقط كثير من حق العالف، وإن قبل قول المكترى العالف كان القول قوله فيما يلزم غيره، وإن نظر إلى علف مثلها فصدق به فيه فقد خرج مالك الدابة والمكترى من أن يكون القول قولهما، وقد ترد أشباه من هذا في الفقه فيذهب بعض أصحابنا إلى أن لا قياس، وأن القياس ضعيف، وقد ذكر في غير هذا الموضع، ويقولون: يقضى بين الناس بأقرب الامور في العدل فيما يراه إذا لم يجد فيه متقدما من حكم يتبعه.
قال الشافعي رضى الله عنه: فيعيب هذا المذهب بعض الناس من كره الرأى فإن جاز أن يحكم فيه بما يكون عدلا عند الناس فيما يرى الحاكم فهو مذهب أصحابنا في بعض أقاويلهم، وإن لم يجز فقد يترك أهل القياس القياس،
والله تعالى أعلم.
(فرع)
إذا استأجر دارا فانطمت آبارها وامتلات حشوشها فالذي عليه أصحابنا أن تنقية ذلك وتنظيفه على المؤجر دون المستأجر من غير تفصيل لما عليه من حقوق التمكين.
قال الماوردى: والذى عندي وأراه مذهبا أن تنقية ما انطم من آبارها على المؤجر وتنقية ما امتلا من حشوشها على المستأجر، لان امتلاء الحشوش من فعله فصار كتحويل القماش وليس كذلك انطمام الآبار، فلو امتنع المستأجر من تنقية الحشوش أجبر عليه، ولو امتنع المؤجر ما يلزمه من الآبار لم يجبر عليه، وكان المستأجر بالخيار، والله أعلم بالصواب.
قال المصنف رحمه الله:
(فصل)
واختلف أصحابنا في رد المستأجر بعد انقضاء الاجارة، فمنهم من قال: لا يلزمه قبل المطالبة لانه أمانة فلا يلزمه ردها قبل الطلب كالوديعة، ومنهم من قال: يلزمه لانه بعد انقضاء الاجارة غير مأذون له في إمساكها، فلزمه الرد كالعارية المؤقتة بعد انقضاء وقتها، فإن قلنا: لا يلزمه الرد لم يلزمه مؤنة الرد كالوديعة، وان قلنا: يلزمه لزمه مؤنة الرد كالعارية.
(فصل)
وللمستأجر أن يستوفى مثل المنفعة المعقود عليها بالمعروف، لان إطلاق العقد يقتضى المتعارف، والمتعارف كالمشروط، فإن استأجر دارا للسكنى