وقال مالك: إنه لا يستحق أجرا حتى تبرأ عينه، ولم يحك ذلك أصحابه، وهو فاسد، لان المستأجر قد وفى العمل الذى وقع العقد عليه فوجب له الاجر وإن لم يحصل الغرض، كما لو استأجره لبناء حائط يوما أو لخياطة قميص فلم يتمه فيه فان برئت عينه فِي أَثْنَاءِ الْمُدَّةِ انْفَسَخَتْ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ من مدة، لانه قد تعذر
العمل فاشبه ما لو حجر عنه امر غالب، وكذلك لو مات، فان امتنع من العلاج فلم يستعمله مع بقاء المرض استحق الطبيب الاجر بمضي المدة، كما لو استأجره يوما للبناء فلم يستعلمه فيه، فاما ان شارطه على البرء فان مذهبنا ومذهب أحمد ابن حنبل ان ذلك يكون جعالة فلا يستحق شيئا حتى يتحقق البرء، سواء وجد قريبا أو بعيدا، فان برئ بغير دوائه أو تعذر علاجه لموته أو غير ذلك من الموانع التى هي من جهة المستاجر فله أجر مثله، كما لو عمل العامل في الجعالة ثم فسخ العقد، وان امتنع لامر من جهة المعالج أو غير الجاعل فلا شئ له على تفصيل سيأتي في الجعالة ان شاء الله.
قال المصنف رحمه الله تعالى:
(فصل)
وان مات الاجير في الحج قبل الاحرام نظرت، فان كان العقد على حج في الذمة استؤجر من تركته من يحج، فان لم يمكن ثبت المستأجر الخيار في فسخ العقد كما قلنا في السلم، وان كان على حجة بنفسه انفسخ العقد، لانه تلف المعقود عليه قبل القبض، فان مات بعدما أتى بجميع الاركان وقبل المبيت والرمى سقط الفرض لانه أتى بالاركان، ويجب في تركته الدم لما بقى كما يجب ذلك في حج نفسه.
وان مات بعد الاحرام وقبل أن يأتي بالاركان فهل يجوز أن يبنى غيره على علمه؟ فيه قولان، قال في القديم: يجوز لانه عمل تدخله النيابة فجاز البناء عليه كسائر الاعمال.
وقال في الجديد: لا يجوز، وهو الصحيح، لانه عبادة يفسد أولها بفساد آخرها فلا تتأدى بنفسين كالصوم والصلاة، فان قلنا لا يجوز البناء فان كانت الاجارة على عمل الاجير بنفسه بطلت، لانه فات المعقود عليه ويستأجر المستأجر من يستأنف الحج.