للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن العربي: فيه [أي حديث الغرس والزرع] سعة كرم الله أن يثيب على ما بعد الحياة، كما كان يثيب ذلك في الحياة انتهى، ونقل الطيبي عن محيي السُنة أنه روى أن رجلا مر بأبي الدرداء، وهو يغرس جوزة فقال: أتغرس هذه وأنت شيخ كبير وهذه لا تطعم إلا في كذا وكذا عاما، قال: ما عليّ أن يكون لي أجرها، ويأكل منها غيري.

قال: وذكر أبو الوفاء البغدادي أنه مر أنو شروان على رجل يغرس شجر الزيتون فقال له: ليس هذا أوان غرسك الزيتون، وهو شجر بطيء الإثمار، فأجابه غرس من قبلنا فأكلنا، ونغرس ليأكل من بعدنا، فقال أنو شروان: زه أي أحسنت، وكان إذا قال زه يعطي من قيلت له أربعة آلاف درهم فقال: أيها الملك كيف تعجب من شجري وإبطاء ثمره فما أسرع ما أثمر. فقال: زه فزيد أربعة آلاف درهم أخرى، فقال: كل شجر يثمر في العام مرة وقد أثمرت شجرتي في ساعة مرتين، فقال: زه فزيد مثلها فمضى أنو شروان فقال: إن وقفنا عليه لم يكفه ما في خزائننا.

ثم إن حصول هذه الصدقة المذكورة يتناول حتى من غرسه لعياله أو لنفقته؛ لأن الإنسان يثاب على ما سرق منه، وإن لم ينو ثوابه، ولا يختص حصول ذلك بمن يباشر الغراس أو الزراعة بل يتناول من استأجر لعمل ذلك، والصدقة حاصلة حتى فيما عجز عن جمعه، كالسنبل المعجوز عنه بالحصيدة فيأكل منه حيوان، فإنه مندرج تحت مدلول الحديث " (١) انتهى ما ذكره القسطلاني.


(١) شرح القسطلاني = إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (٤/ ١٧١).

<<  <   >  >>