للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على الحقيقة وأهلها الذين هم أهلها" (١)، وقال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: ١٨] وتوعد الله من منع الصلاة فيها، ومن يسعى في خرابها الحسي أو المعنوي بالخزي في الدنيا، والعذاب العظيم في الأخرة، قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة: ١١٤]، ولما كان المسجد بهذه الأهمية بمكان، فإن الله قد وعد من بنا مسجدا لله؛ إلّا بنى الله له بيتا في الجنة، جزاء لما صنع، ففي صحيح مسلم عن عثمان ابن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا لِلَّهِ، بَنَى اللهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ مِثْلَهُ» وفي رواية «بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ» (٢)، وليس البيت في الجنة مثل المسجد الذي يُبنى في الدنيا من أحجار أو طوب أو غير ذلك، مما تبنى به المساجد أو بيوت الدنيا، لا من حيث البناء، ولا السعة، ولا المكان، ولا يماثله من أي وجه من الوجوه، إنما مثله في مسمى البيت فقط؛ ليكون الجزاء من جنس العمل؛ لأن بناء الجنة لبنة من فضة ولبنة من ذهب وملاطها المسك، وبيوت الدنيا ومساجدها يعتريها الخراب والدمار والزوال؛ أما في الجنة فلا يحصل شيء من ذلك فهو في نعيم مقيم وملك خالد؛ بل إن في الجنة مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وموضع السوط فيها خير من


(١) تفسير السعدي = تيسير الكريم الرحمن (ص: ٣٣١).
(٢) أخرجه مسلم (٤/ ٢٢٨٧) رقم (٥٣٣).

<<  <   >  >>