للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الصورة الثانية:

ما جاء في الصحيحين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، قال أنس: فلما أنزلت هذه الآية: {لَنْ تَنَالوا البِرً حَتًى تُنْفِقُوا مِمًا تُحِبونَ} [آل عمران: ٩٢]، قام أبو طلحة إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله، إن الله تبارك وتعالى يقول: {لَنْ تَنَالوا البِرً حَتًى تُنْفِقُوا مِمًا تُحِبونَ} وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله، أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «بخ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين» فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه، وقيل «مال رايح» (١) بدل (رابح) (٢).

فانظر يا رحمك الله الى هذا الفعل العظيم من أبي طلحة وهو أن جعل أحب أمواله إليه صدقة لله تعالى، ثم ذهب يقسم ذلك المال النفيس بنفسه بين أقاربه وبني


(١) (بيرحاء): اسم بستان. (طيب) عذب. (البر) اسم جامع لكل خير. (مما تحبون) من أموالكم التي ترغبون بها طيبة بذلك نفوسكم. (أرجو برها وذخرها) أطمع وآمل من الله تعالى أن يدخر لي أجرها وثوابها لأجده يوم القيامة. (بخ) كلمة تقال عند الرضا والإعجاب بالشيء. (مال رابح) ذو ربح كثير يجنيه صاحبه في الآخرة. (رايح) من الرواح وهو الرجوع أي يرجع نفعه إلى صاحبه. [تعليق مصطفى البغا] على البخاري (٢/ ١١٩).
(٢) متفق عليه: البخاري (٢/ ١١٩) رقم (١٤٦١)، مسلم (٢/ ٦٩٣) رقم (٩٩٨).

<<  <   >  >>