ضَحِكًا وَلَا فَرَحًا: هَمُّ الْمَعَادِ، يَعْنِي هَمَّ الْآخِرَةِ، وَشُغْلُ الْمَعَاشِ، وَغَمُّ الذُّنُوبِ، وَإِلْمَامُ الْمَصَائِبِ.
يَعْنِي يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ مَشْغُولًا بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ، لِتَمْنَعَهُ عَنِ الضَّحِكِ، فَإِنَّ الضَّحِكَ لَيْسَ مِنْ خِصَالِ الْمُؤْمِنِ.
وَقَدْ عَيَّرَ اللَّهُ تَعَالَى أَقْوَامًا بِالضَّحِكِ فَقَالَ: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ {٥٩} وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ {٦٠} وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} [النجم: ٥٩-٦١] ، وَمَدَحَ أَقْوَامًا بِالْبُكَاءِ فَقَالَ تَعَالَى: {وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ} [الإسراء: ١٠٩] .
وَيُقَالُ: غَمُّ الْأَحْيَاءِ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ، فَيَنْبَغِي لِكُلِّ إِنْسَانٍ أَنْ يَكُونَ غَمُّهُ فِي هَذِهِ الْخَمْسَةِ: أَوَّلُهَا: غَمُّ الذُّنُوبِ الْمَاضِيَةِ لِأَنَّهُ قَدْ أَذْنَبَ ذُنُوبًا، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ الْعَفْوُ.
فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَغْمُومًا بِهَا، مَشْغُولًا بِهَا.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ عَمِلَ الْحَسَنَاتِ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ الْقَبُولُ.
وَالثَّالِثُ: قَدْ عَلِمَ حَيَاتَهُ فِيمَا مَضَى كَيْفَ مَضَى، وَلَا يَدْرِي كَيْفَ يَكُونُ الْبَاقِي.
وَالرَّابِعُ: قَدْ عَلِمَ أَنَّ للَّهِ تَعَالَى دَارَيْنِ، وَلَا يَدْرِي إِلَى أَيَّةِ دَارٍ يَصِيرُ.
وَالْخَامِسُ: لَا يَدْرِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى رَاضٍ عَنْهُ، أَمْ سَاخِطٌ عَلَيْهِ، فَمَنْ كَانَ غَمُّهُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْخَمْسَةِ فِي حَيَاتِهِ فَإِنَّهُ يَمْنَعُهُ عَنِ الضَّحِكِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ غَمُّهُ فِي هَذِهِ الأَشْيَاءِ الْخَمْسَةِ فِي حَيَاتِهِ، فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُهُ بَعْدَ الْمَوْتِ خَمْسَةٌ مِنَ الْغُمُومِ.
أَوَّلُهَا: حَسْرَةُ مَا خَلَّفَ مِنَ التَّرِكَةِ الَّتِي جَمَعَهَا مِنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، وَتَرَكَهَا لِوَرَثَتِهِ الْأَعْدَاءِ.
وَالثَّانِي نَدَامَةُ تَسْوِيفِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، فَيَرَى فِي كِتَابِهِ عَمَلًا، فَيَسْتَأْذِنُ فِي الرُّجُوعِ لِيَعْمَلَ صَالِحًا فَلَا يُؤْذَنُ لَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute