للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَيُقَالُ: مَكْتُوبٌ فِي الْإِنْجِيلِ يَا ابْنَ آدَمَ اذْكُرْنِي حِينَ تَغْضَبُ أَذْكُرُكَ حِينَ أَغْضَبُ، وَارْضَ بِنُصْرَتِي لَكَ، فَإِنَّ نُصْرَتِي لَكَ خَيْرٌ مِنْ نُصْرَتِكَ لِنَفْسِكَ.

وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ , أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ أَغْضَبَهُ: لَوْلَا أَنَّكَ أَغْضَبْتَنِي لَعَاقَبْتُكَ.

أَرَادَ بِذَلِكَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} [آل عمران: ١٣٤] .

وَذَكَرَ أَنَّهُ رَأَى سَكْرَانَ، فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَهُ فَيُعَزِّرَهُ، فَشَتَمَهُ السَّكْرَانُ فَلَمَّا شَتَمَهُ رَجَعَ عُمَرُ.

فَقِيلَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَمَّا شَتَمَكَ تَرَكْتَهُ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ أَغْضَبَنِي، فَلَوْ عَزَّرْتُهُ لَكَانَ ذَلِكَ لِغَضَبِ نَفْسِي، وَلَا أُحِبُّ أَنْ أَضْرِبَ مُسْلِمًا لِحَمِيَّةِ نَفْسِي.

وَرُوِيَ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، أَنْ جَارِيَةً لَهُ جَاءَتْ بِمَرَقَةٍ، فَعَثَرَتْ فَصَبَّتِ الْمَرَقَةَ عَلَيْهِ، فَأَرَادَ مَيْمُونُ أَنْ يَضْرِبَهَا، فَقَالَتِ الْجَارِيَةُ: يَا مَوْلَايَ، اسْتَعْمِلْ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} [آل عمران: ١٣٤] ، فَقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ.

فَقَالَتْ: اعْمَلْ بِمَا بَعْدَهُ {وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ} [آل عمران: ١٣٤] ، قَالَ: عَفَوْتُ.

فَقَالَتْ: اعْمَلْ بِمَا بَعْدَهُ {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: ١٣٤] ، فَقَالَ مَيْمُونٌ أَحْسَنْتُ إِلَيْكِ، فَأَنْتِ حُرَّةٌ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى.

٢٥٩ - وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ ثَلَاثُ خِصَالٍ لَمْ يَجِدْ طَعْمَ الْإِيمَانَ حِلْمٌ يَرُدُّ بِهِ جَهْلَ الْجَاهِلِ، وَوَرَعٌ يُحْرِزُهُ عَنِ الْمَحَارِمِ، وَخُلُقٌ يُدَارِي بِهِ النَّاسَ» وَذَكَرَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ كَانَ لَهُ فَرَسٌ، وَكَانَ مُعْجَبًا بِهِ.

فَجَاءَتْ ذَاتَ يَوْمٍ فَوَجَدَهُ عَلَى ثَلَاثَةِ قَوَائِمَ، فَقَالَ لِغُلَامِهِ: مَنْ صَنَعَ بِهِ هَذَا؟ فقَالَ: أَنَا.

قَالَ: لِمَ؟ قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ أَغُمَّكَ.

قَالَ: لَا جَرَمَ لَأَغُمَّنَّ مَنْ أَمَرَكَ بِهِ.

يَعْنِي الشَّيْطَانَ.

اذْهَبْ فَأَنْتَ حُرٌّ وَالْفَرَسُ لَكَ.

يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَكُونَ حَلِيمًا صَبُورًا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ خِصَالِ الْمُتَّقِينَ، وَقَدْ مَدَحَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَلِيمَ فِي كِتَابِهِ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ} [الشورى: ٤٣] ، يَعْنِي

<<  <   >  >>