لِسَانُهُ، وَالثَّالِثُ الْجَوَارِحُ.
وَقَدْ أَكْرَمَ اللَّهُ تَعَالَى كُلَّ جُزْءٍ بِكَرَامَةٍ، فَأَكْرَمَ الْقَلْبَ بِمَعْرِفَتِهِ وَتَوْحِيدِهِ، وَأَكْرَمَ اللِّسَانَ بِشَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَتِلَاوَةِ كِتَابِهِ، وَأَكْرَمَ الْجَوَارِحَ بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَسَائِرِ الطَّاعَاتِ.
وَوَكَّلَ عَلَى كُلِّ جُزْءٍ رَقِيبًا وَحَفِيظًا، فَتَوَلَّى حِفْظَ الْقَلْبِ بِنَفْسِهِ، فَلَا يَعْلَمُ مَا فِي ضَمِيرِ الْعَبْدِ إِلَّا اللَّهُ.
وَوَكَّلَ عَلَى لِسَانِهِ الْحَفَظَةَ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: ١٨] ، وَسَلَّطَ عَلَى الْجَوَارِحِ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ.
ثُمَّ إِنَّهُ يُرِيدُ مِنْ كُلِّ جُزْءٍ وَفَاءً، فَوَفَاءُ الْقَلْبِ أَنْ يَثْبُتَ عَلَى الْإِيمَانِ، وَأَنْ لَا يَحْسُدَ وَلَا يَخُونَ وَلَا يَمْكُرَ.
وَوَفَاءُ اللِّسَانِ أَنْ لَا يَغْتَابَ وَلَا يَكْذِبَ وَلَا يَتَكَلَّمَ بِمَا لَا يَعْنِيهِ.
وَوَفَاءُ الْجَوَارِحِ أَنْ لَا يَعْصِي اللَّهَ تَعَالَى وَلَا يُؤْذِي أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
فَمَنْ وَقَعَ مِنَ الْقَلْبِ فَهُوَ مُنَافِقٌ، وَمَنْ وَقَعَ مِنَ اللِّسَانِ فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ وَقَعَ مِنَ الْجَوَارِحِ فَهُوَ عَاصٍ.
وَعَنِ الْحَسَنِ قَالَ: نَظَرَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ إِلَى شَابٍّ فَقَالَ: يَا شَابُّ إِنْ وُقِيتَ شَرَّ ثَلَاثٍ فَقَدْ وُقِيتَ شَرَّ الشَّبَابِ: إِنْ وُقِيتَ شَرَّ لَقْلَقِكَ يَعْنِي لِسَانَكَ، وَذَبْذَبِكَ يَعْنِي فَرْجَكَ، وَقَبْقَبِكَ يَعْنِي بَطْنَكَ.
وَذُكِرَ أَنَّ لُقْمَانَ الْحَكِيمَ كَانَ عَبْدًا حَبْشِيًّا فَأَوَّلُ مَا ظَهَرَ مِنْ حِكْمَتِهِ أَنَّهُ قَالَ لَهُ مَوْلَاهُ: يَا غُلَامُ اذْبَحْ لَنَا هَذِهِ الشَّاةَ وَائْتِنِي بِأَطْيَبِ مُضْغَتَيْنِ مِنْهَا، فَجَاءَ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ.
ثُمَّ قَالَ مَرَّةً أُخْرَى اذْبَحْ لَنَا هَذِهِ الشَّاةَ وَائْتِ بِأَخْبَثِ مُضْغَتَيْنِ مِنْهَا، فَأَتَاهُ بِاللِّسَانِ وَالْقَلْبِ.
فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَيْسَ فِي الْجَسَدِ مُضْغَتَانِ أَطْيَبَ مِنْهُمَا إِذَا طَابَا، وَلَا أَخْبَثَ مِنْهُمَا إِذَا خَبُثَا.
٢٧٧ - وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّهُ لَمَّا بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَوْصِنِي، فَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ.
يَعْنِي عَلَيْكَ بِحِفْظِ اللِّسَانِ.
فَكَأَنَّهُ تَهَاوَنَ بِهِ.
فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَوْصِنِي قَالَ: «ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ.
وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ» .