مِنَ الْإِمَامِ فَأَنْصَتَ وَاسْتَمَعَ، وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ كِفْلَانِ أَيْ حَظَّانِ، وَنَصِيبَانِ مِنَ الْأَجْرِ وَمَنْ تَبَاعَدَ فَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ كِفْلٌ مِنَ الْأَجْرِ، وَمَنْ دَنَا مِنَ الْإِمَامِ فَلَغَا وَلَمْ يَسْتَمِعْ، كَانَ لَهُ كِفْلٌ مِنَ الْوِزْرِ، وَمَنْ قَالَ: مَهْ فَقَدْ تَكَلَّمَ، وَمَنْ تَكَلَّمَ فَقَدْ لَغَا، وَمَنْ لَغَا فَلَا جُمْعَةَ لَهُ.
ثُمَّ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: هَكَذَا سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
سَمِعْتُ أَبِي , قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ صَالِحًا الْمُرِّيَّ أَقْبَلَ لَيْلَةَ الْجُمْعَةِ يُرِيدُ مَسْجِدَ الْجَامِعِ لِيُصَلِّيَ فِيهِ صَلَاةَ الْفَجْرِ، فَمَرَّ بِمَقْبَرَةٍ فَقَالَ لَوْ أَقَمْتُ حَتَّى يَطْلُعَ الْفَجْرُ، فَدَخَلَ الْمَقْبَرَةَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، وَاتَّكَأَ عَلَى قَبْرٍ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ، فَرَأَى فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ أَهْلَ الْقُبُورِ قَدْ خَرَجُوا مِنْ قُبُورِهِمْ، فَقَعَدُوا حِلَقًا حِلَقًا يَتَحَدَّثُونَ فَإِذَا شَابٌّ عَلَيْهِ ثِيَابٌ دَنِسَةٌ، فَقَعَدَ فِي جَانِبٍ مَغْمُومًا، فَلَمْ يَمْكُثُوا إِذْ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ أَطْبَاقٌ عَلَيْهَا أَلْطَافٌ مُغَطَّاةٌ بِمَنَادِيلَ، فَكُلَّمَا جَاءَ وَاحِدًا مِنْهُمْ طَبَقٌ أَخَذَهُ، وَدَخَلَ قَبْرَهُ حَتَّى بَقِيَ الْفَتَى فِي آخِرِ الْقَوْمِ لَمْ يَأْتِهِ فَقَامَ حَزِينًا؟ لِيَدْخُلَ فِي قَبْرِهِ فَقُلْتُ لَهُ: يَا عَبْدَ اللَّهِ مَالِي أَرَاكَ حَزِينًا؟ وَمَا الَّذِي رَأَيْتَ؟ قَالَ: يَا صَالِحُ الْمُرِّيُّ هَلْ رَأَيْتَ الْأَطْبَاقَ؟ قَالَ: قُلْتُ نَعَمْ.
فَمَا هِيَ؟ قَالَ: تِلْكَ أَلْطَافُ الْأَحْيَاءِ لِمَوْتَاهُمْ كُلَّمَا تَصَدَّقُوا عَنْهُمْ أَوْ دَعَوْا لَهُمْ أَتَاهُمْ ذَلِكَ فِي لَيْلَةِ الْجُمْعَةِ، وَإِنِّي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ السِّنْدِ أَقْبَلْتُ بِوَالِدَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ فَلَمَّا صِرْتُ بِالْبَصْرَةِ تُوُفِّيتُ بِهَا وَتَزَوَّجَتْ وَالِدَتِي بَعْدِي، وَلَمْ تَذْكُرْ لِزَوْجِهَا أَنَّهُ كَانَ لَهَا وَلَدٌ، وَقَدْ أَلْهَتْهَا الدُّنْيَا فَمَا تَذْكُرُنِي بِشَفَةٍ وَلَا لِسَانٍ، فَحُقَّ لِيَ الْحُزْنُ إِذْ لَيْسَ لِي مَنْ يَذْكُرُنِي مِنْ بَعْدِي.
قَالَ صَالِحٌ: وَأَيْنَ مَنْزِلُ أُمِّكَ؟ فَوَصَفَ لِيَ الْمَوْضِعَ.
قَالَ: فَلَمَّا أَصْبَحْتُ وَقَضَيْتُ صَلَاتِي أَقْبَلْتُ فَسَأَلْتُ عَنْ مَنْزِلِهَا، فَأُرْشِدْتُ إِلَيْهِ، فَجِئْتُ فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهَا، فَقُلْتُ: إِنِّي صَالِحٌ الْمُرِّيُّ بِالْبَابِ فَأَذِنَتْ لِي، فَدَخَلْتُ وَقُلْتُ: أُحِبُّ أَنْ لَا يَسْمَعَ كَلَامِي وَكَلَامَكِ أَحَدٌ، فَدَنَوْتُ حَتَّى مَا كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهَا إِلَّا سِتْرٌ فَقُلْتُ: يَرْحَمُكِ اللَّهُ هَلْ لَكِ وَلَدٌ؟ قَالَتْ: لَا.
قُلْتُ: فَهَلْ كَانَ لَكِ وَلَدٌ؟ فَتَنَفَّسَتِ الصُّعَدَاءَ ثُمَّ قَالَتْ: قَدْ كَانَ لِي وَلَدٌ شَابٌّ فَمَاتَ.
فَقَصَصْتُ عَلَيْهَا الْقِصَّةَ قَالَ: فَبَكَتْ حَتَّى تَحَدَّرَتْ دُمُوعُهَا عَلَى خَدَّيْهَا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute