للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ مَرَّ بِعُتْبَةَ الْغُلَامِ فِي بَرْدٍ شَدِيدٍ، وَعَلَى عُتْبَةَ قَمِيصٌ خَلِقٌ، وَهُوَ قَائِمٌ يَتَفَكَّرُ وَهُوَ يَتَرَشَّحُ عَرَقًا، فَقَالَ لَهُ مَالِكٌ: مَا الَّذِي أَوْقَفَكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: قَالَ: يَا مُعَلِّمِي هَذَا مَوْضِعٌ عَصَيْتُ اللَّهَ تَعَالَى فِيهِ، يَعْنِي أَنَّهُ كَانَ يَتَفَكَّرُ فِي ذَنْبِهِ، وَهُوَ يَسِيلُ مِنْهُ الْعَرَقُ حَيَاءً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَقَالَ مَكْحُولٌ الشَّامِيُّ: مَنْ أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ ثُمَّ لَمْ يَتَفَكَّرْ فِيمَا صَنَعَ فِي يَوْمِهِ، فَإِنْ عَمِلَ خَيْرًا حَمِدَ اللَّهَ، وَإِنْ أَذْنَبَ اسْتَغْفَرَ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَانَ كَمِثْلِ التَّاجِرِ، الَّذِي يُنْفِقُ وَلَا يَحْسِبُ حَتَّى يُفْلِسَ، وَلَا يَشْعُرُ وَيُقَالُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ عَبْدِي إِنِّي مَلِكٌ لَا أَزُولُ، فَأَطِعْنِي فِيمَا أَمَرْتُكَ بِهِ، وَانْتَهِ عَمَّا نَهَيْتُكَ عَنْهُ حَتَّى أَجْعَلَكَ حَيًّا لَا تَمُوتُ، عَبْدِي أَنَا الَّذِي إِذَا أَقُولُ لِلشَّيْءِ كُنْ فَيَكُونُ.

وَعَنْ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ , قَالَ: إِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ لَا تُسِيءَ إِلَى مَنْ تُحِبُّهُ فَافْعَلْ، قِيلَ لَهُ وَهَلْ يُسِيءُ أَحَدٌ إِلَى مَنْ يُحِبُّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ نَفْسُكَ أَحَبُّ الْأَنْفُسِ، وَأَعَزُّهَا إِلَيْكَ، فَإِذَا عَصَيْتَ فَقَدْ أَسَأْتَ إِلَيْهَا.

وَقِيلَ لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ: أَوْصِنِي بِشَيْءٍ.

قَالَ: لَا تَجْفُ رَبَّكَ , وَلَا تَجْفُ الْخَلْقَ، وَلَا تَجْفُ نَفْسَكَ، أَمَّا الْجَفَاءُ بِرَبِّكَ فَأَنْ تَشْتَغِلَ بِخِدْمَةِ غَيْرِهِ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، وَأَمَّا الْجَفَاءُ مَعَ الْخَلْقِ فَأَنْ تَذْكُرَهُمْ عِنْدَ النَّاسِ بِسُوءٍ، وَأَمَّا الْجَفَاءُ مَعَ النَّفْسِ، فَأَنْ تَتَهَاوَنَ بِفَرَائِضِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَرُوِيَ عَنْ كَهْمَسِ بْنِ الْحَسَنِ , أَنَّهُ قَالَ: أَذْنَبْتُ ذَنْبًا وَأَنَا أَبْكِي عَلَيْهِ مُنْذُ أَرْبَعِينَ سَنَةً.

قِيلَ لَهُ: مَا هُوَ يَا عَبْدَ اللَّهِ؟ قَالَ: زَارَنِي أَخٌ لِي فَاشْتَرَيْتُ لَهُ سَمَكًا، فَأَكَلَ، ثُمَّ قُمْتُ إِلَى حَائِطِ جَارِي فَأَخَذْتُ مِنْهُ قِطْعَةً مِنْ طِينٍ.

فَغَسَلْتُ بِهَا يَدِي

٥٥٧ - وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّهُ قَالَ: «أَعْظَمُ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى أَصْغَرُهَا عِنْدَ النَّاسِ، وَأَصْغَرُ الذُّنُوبِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، أَعْظَمُهَا عِنْدَ النَّاسِ» يَعْنِي أَعْظَمُهَا عِنْدَ الْمُذْنِبِ إِذَا عَظَّمَهُ وَخَافَهُ فَإِنَّهَا أَصْغَرُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَمَّا إِذَا كَانَ صَغِيرًا فِي عَيْنِ الْمُذْنِبِ، فَهُوَ عَظِيمٌ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى، لِأَنَّ أَعْظَمَ الذُّنُوبِ مَا كَانَ مُصَرًّا عَلَيْهِ، وَهَذَا

<<  <   >  >>