للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ قَدْ يُثَابُ عَلَى نِيَّةِ الْخَيْرِ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلْ، وَلَا يُثَابُ عَلَى عَمَلِهِ بِلَا نِيَّةٍ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: نِيَّةُ الْمُؤْمِنِ خَيْرٌ مِنْ عَمَلِهِ، لِطُولِ نِيَّتِهِ، وَقِصَرِ عَمَلِهِ، لِأَنَّهُ يَنْوِي أَنْ يَعْمَلَ الْخَيْرَ مَا بَقِيَ، وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَعْمَلَ الْخَيْرَ مَا بَقِيَ.

وَقَالَ بَعْضُهُم: لِأَنَّ النِّيَّةَ عَمَلُ الْقَلْبِ، وَالْقَلْبُ مَعْدَنُ الْمَعْرِفَةِ، وَمَا كَانَ مِنْ مَعْدَنِ الْمَعْرِفَةِ كَانَ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ.

٧٤٩ - وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أَنَّهُ قَالَ: " يُؤْتَى بِالْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَعَهُ مِنَ الْحَسَنَاتِ أَمْثَالُ الْجِبَالِ الرَّوَاسِي، فَيُنَادِي مُنَادٍ مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى فُلَانٍ مَظْلَمَةٌ، فَلْيَجِئْ فَلْيَأْخُذْهَا، فَيَجِيءُ أُنَاسٌ فَيَأْخُذُونَ مِنْ حَسَنَاتِهِ، حَتَّى لَا يَبْقَى مِنَ الْحَسَنَاتِ شَيْءٌ وَيَبْقَى الْعَبْدُ حَيْرَانَ، فَيَقُولُ لَهُ رَبُّهُ: إِنَّ لَكَ عِنْدِي كَنْزًا لَمْ أُطْلِعْ عَلَيْهِ مَلَائِكَتِي وَلَا أَحَدًا مِنْ خَلْقِي فَيَقُولُ يَا رَبُّ مَا هُوَ؟ فَيَقُولُ نِيَّتُكَ الَّتِي كُنْتَ تَنْوِي مِنَ الْخَيْرِ كَتَبْتُهَا لَكَ سَبْعِينَ ضِعْفًا ".

وَرُوِيَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ عَابِدًا مِنْ عُبَّادِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَرَّ بِكَثِيبٍ مِنَ الرَّمْلِ، فَتَمَنَّى فِي نَفْسِهِ لَوْ كَانَ دَقِيقًا، فَأَشْبَعَ بِهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فِي مَجَاعَةٍ أَصَابَتْهُمْ، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَى نَبِيٍّ فِيهِمْ، قُلْ لِهَذَا الْعَابِدِ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: إِنِّي قَدْ أَوْجَبْتُ لَكَ مِنَ الْأَجْرِ مَا لَوْ كَانَ دَقِيقًا فَتَصَدَّقْتَ بِهِ.

٧٥٠ - وَرُوِيَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ يُؤْتَى بِالْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُعْطَى كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ، فَيَرَى فِيهِ الْحَجَّ، وَالْعُمْرَةَ، وَالْجِهَادَ، وَالزَّكَاةَ، وَالصَّدَقَةَ، فَيَقُولُ الْعَبْدُ فِي نَفْسِهِ: مَا عَمِلْتُ مِنْ هَذَا شَيْئًا.

وَلَيْسَ هَذَا كِتَابِي، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: اقْرَأْ فَإِنَّهُ كِتَابُكَ عِشْتَ دَهْرًا وَأَنْتَ تَقُولُ: لَوْ كَانَ لِي مَالٌ لَحَجَجْتُ، وَلَوْ كَانَ لِي مَالٌ لَجَاهَدْتُ، وَعَرَفْتُ مِنْ نِيَّتِكَ أَنَّكَ صَادِقٌ، فَأَعْطَيْتُكَ ثَوَابَ ذَلِكَ كُلِّهِ.

قَالَ الْفَقِيهُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَإِنَّمَا يَظْهَرُ صِدْقُ نِيَّتِهِ إِذَا لَمْ يَبْخَلْ بِالْقَلِيلِ الَّذِي عِنْدَهُ، فَلَوْ رَأَى حَاجًّا مُنْقَطِعًا فَيَقُولُ فِي نَفْسِهِ: لَوْ كَانَ لِي مَالٌ لَحَجَجْتُ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِي طَاقَةٌ، إِلَّا هَذَيْنِ الدِّرْهَمَيْنِ دَفَعْتُهُمَا إِلَى هَذَا، وَإِذَا رَأَى غَازِيًا مُنْقَطِعًا يَقُولُ: لَوْ كَانَ لِي مَالٌ لَغَزَوْتُ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ لِي طَاقَةٌ إِلَّا هَذِهِ الدَّرَاهِمَ دَفَعْتُهَا إِلَى هَذَا الْغَازِي

<<  <   >  >>