للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: الْمَنَازِلُ أَرْبَعَةٌ: عُمْرُنَا فِي الدُّنْيَا، وَمُكْثُنَا فِي الْقَبْرِ، وَمُقَامُنَا فِي الْحَشْرِ، وَمَصِيرُنَا إِلَى الْأَبَدِ الَّذِي خُلِقْنَا لَهُ، فَمَثَلُ عُمْرِنَا فِي الدُّنْيَا، كَمَثَلِ الْمُتَعَشِّي فِي الْحَاجِّ لَا يَطْمَئِنُّونَ وَلَا يَحُلُّونَ الدَّوَابَّ وَالْأَثْقَالَ لِسُرْعَةِ الِارْتِحَالِ، وَمَثَلُ مُكْثِنَا فِي الْقَبْرِ، كَمَثَلِ النُّزُولِ فِي بَعْضِ الْمَنَازِلِ يَضَعُونَ الْأَثْقَالَ، وَيَسْتَرِيحُونَ يَوْمًا أَوْ لَيْلَةً، ثُمَّ يَرْتَحِلُونَ وَمَثَلُ مَقَامِنَا فِي الْحَشْرِ كَنُزُولِهِمْ بِمَكَّةَ، وَهُوَ غَايَةُ الِاجْتِمَاعِ لِكُلِّ فَرِيقٍ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ، يَقْضُونَ النُّسُكَ، ثُمَّ يَتَفَرَّقُونَ يَمِينًا وَشِمَالًا، كَذَلِكَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، إِذَا فَرَغُوا مِنَ الْمُحَاسَبَةِ افْتَرَقُوا فِرَقًا إِلَى الْجَنَّةِ وَفِرَقًا إِلَى السَّعِيرِ.

وَقَالَ شَقِيقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: سَأَلْتُ سَبْعَ مِائَةِ عَالِمٍ، عَنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ فَكُلُّهُمْ أَجَابُوا بِجَوَابٍ وَاحِدٍ قُلْتُ: مَنِ الْعَاقِلُ؟ قَالُوا: الْعَاقِلُ مَنْ لَمْ يُحِبَّ الدُّنْيَا.

قُلْتُ: مَنِ الْكَيِّسُ؟ قَالُوا: مَنْ لَمْ تَغُرُّهُ الدُّنْيَا.

قُلْتُ: مَنِ الْغَنِيُّ؟ قَالُوا: الَّذِي يَرْضَى بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ.

قُلْتُ مَنِ الْفَقِيهُ؟ قَالُوا: الَّذِي يَمْتَنِعُ مِنْ طَلَبِ الزِّيَادَةِ قُلْتُ: مَنِ الْبَخِيلُ؟ قَالُوا: الَّذِي يَمْنَعُ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ مَالِهِ.

وَيُقَالُ: سَخَطُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْعَبْدِ فِي ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا أَنْ يُقَصِّرَ فِيمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى، وَالثَّانِي أَنْ لَا يَرْضَى بِمَا قَسَمَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ، وَالثَّالِثُ أَنْ يَطْلُبَ شَيْئًا فَلَا يَجِدُهُ فَيَسْخَطَ عَلَى رَبِّهِ.

وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: ٣٨] ، قَالَ الْفُقَهَاءُ: مَنْ سَرَقَ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ تُقْطَعُ يَدُهُ لِمَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لِهَتْكِ حُرْمَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَالثَّانِي: لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ وَمَالَ إِلَى مَالِ غَيْرِهِ، فَأَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ نَكَالًا، بِمَا كَسَبَ لِيَكُونَ عِبْرَةً لِغَيْرِهِ، لِكَيْ يَرْضَى بِمَا قَسَمَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ، وَيَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَكُونَ رَاضِيًا بِمَا قَسَمَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ، فَإِنَّ الرِّضَا بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ مِنْ أَخْلَاقِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: اثْنَتَا عَشْرَةَ خَصْلَةً مِنْ أَخْلَاقِ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ.

<<  <   >  >>