قالت الحكماء: التجارب عقل ثانٍ، ودليلٌ هادٍ، وأدبٌ للدهر. فافهم عن الأيام أخبارها، فقد أوضحت لك آثارها، واتعظ بما وعظك منها، وتأمّل ما ورد عليك من أحوالها تأمل ذي فكرة منها؛ فإن الفكرة تدرأ عنك عمى الغفلة، وتكشف لك عن مستخفيات الأمور.
وقالوا: الدهر أفصح المؤدبين؛ وكفاك من كل يوم خبرٌ يورده عليك. وإنما الأيام مراقي الأدب، ودرجاتٌ إلى العلم الأكبر، فمن فهم عنها أورث زيادةُ، وسطع نور علمه، ولم يفتقر إلى غير نفسه، ولو صحب ذو الغفلة أيام الدنيا بعجائب ما تصرفت به على القرون لم يزل جذعاً في الغرّة، ومتدلّها فيما يحدث، لأن الغفلة ظلمةٌ راكدة، والمعرفة مصباح الخلقة.
وقد قيل: إذا رأيت ذا العمر الطويل والسنّ القديم يكثر التعجّب مما يرى ويسمع-: فذلك لقلة حفظه التجارب، ولسهوه عمّا مرّت به عليه الليالي.
وقالوا: الفهم خزانة العقل؛ ونور يبصر به ما أمامه. وإنما نكص على عقبيه من خانه فهمه، وخذله عقله، وضيع ما استودعته الأيام، فكأنّه ابن يومه،