أتانا خبرٌ من العراق أجزعنا وأفرحنا: قَتْلُ مصعب رحمة الله عليه، فأما الذي أجزعنا من ذلك فإن «١» لفراق الحميم لذعة «٢» يجدها حميمه «٣» عند المصيبة، ثم يرعوي من بعدها ذوو الرأي «٤» إلى جميل الصبر وكريم العزاء، وأما الذي أفرحنا فقد علمنا أن قتله له شهادة، وأن القتل له على ذلك خيرة. ألا إن أهل العراق- أهل الغدر والنفاق- أسلموه وباعوه بأقل ما كانوا يأخذونه منه. أما والله ما نموت حبجاً «٥» وما نموت إلا قصعاً «٦» بالرماح، وموتاً تحت ظلال السيوف، ليس كما تموت بنو مروان: ما قُتل منهم أحد في الجاهلية ولا في الإسلام. وإنما الدنيا عاريةٌ من الملك الذي لا يزول سلطانه ولا يبيد، فإن تقبل الدنيا علي لا آخذها أخذ الأشر البطر، وإن تدبر عني لا أبك عليها بكاء الخرف المهتر «٧» . ثم نزل.
قال معاوية لعمرو بن العاص: من أبلغ الناس؟ قال: من ترك الفضول واقتصر على الايجاز. قال: فمن أصبر الناس؟ قال: من ترك دنياه في إصلاح دينه. قال: فمن أشجع الناس؟ قال: من رد جهله بحلمه «٨» .