رأوه كثيراً هان عليهم؛ كما أن الأسد يهابه كل من رآه، إلا الرعاة، فإنهم من كثرة ما يرونه قد هان عليهم.
وقيل: سلطانٌ تخافه الرعية خيرٌ من سلطان يخافها، وخير الملوك ما أشبه النّسر حوله الجيف، لا ما أشبه الجيفة حولها النسور.
وقال أبرويز لابنه: استكثر القليل مما تأخذ، واستقل الكثير مما تعطي؛ واعلم أن قرة أعين الكرام في الإعطاء، وقرة أعين اللئام في الأخذ. والملك إذا كان على رأس الكرماء فهو جدير أن يعطي ما وجد، ويمتنع من الأخذ ما استطاع.
وقال أيضا: املك الرعية بالإحسان إليها، تظفر بالمحبة منها، فإن ذلك بإحسانك أدوم منه باعتسافك، وليس الملك سلك الأبدان. واعلم أن الرعية إن قدرت أن تقول قدرت أن تفعل، فاجتهد أن لا تقول تسلم من أن تفعل.
وقال الحكيم: إذا تناصرت عليك الخصوم فلن يدفع ذلك غير الله سبحانه، ثم عزمٌ لا يشوبه وهن، وصدق لا يطمع فيه التكذيب، ومضاء لا يقارنه الشك، وصبرٌ لا يختانه جزع، ونيةٌ لا يتقسمها عجزٌ.
وقال الحكيم: يجب على الملك الفاضل أن يحصن عقله من العجب، ووقاره من الكبر، وعطاءه من السرف، وصرامته من العنف، وحياءه من البلادة، وحمله من التهاون، وإمضاءه من العجلة، وعقوبته من الإفراط، وعفوه من تعطيل الحقوق، وصمته من العي، واستئناسه من البذآء، وخلواته من الإصاعة، وعزماته من اللجاجة، وأناته من الملالة، وفرحاته من البطر، وروعاته من الاستسلام.