وأمات ذكرها عن نفسه، وأحب أن يغيب زينتها عن عينه. ولقد كان لك في رسول الله ما يدلك على مساوئها وعيوبها، إذ جاع فيها مع خاصته، وزويت عنه مع عظيم زلفته، فلينظر ناظر بعقله أأكرم الله محمدا بذلك أم أهانه؟ فإن قال أهانه، فقد كذب والعظيم، وإن قال أكرمه فليعلم أن الله قد أهان غيره حيث بسط الدنيا له وزواها عن أقرب الناس إليه. خرج من الدنيا خميصا «١» ، وورد الآخرة سليما. ثم يضع حجرا على حجر، فما أعظم منّة الله عندنا حين أنعم به علينا سلفا نتبعه، وقائدا نطأ عقبه! والله لقد رقعت مدرعتي «٢» هذه حتى استحييت من راقعها، ولقد قال لي قائل:
ألا تنبذها؟ فقلت: أغرب عنّي، فعند الصباح يحمد القوم السّرى.
٨٨- جاء فتح الموصلي إلى أهله بعد العتمة فلم يجد عندهم شيئا للعشاء وهم بغير سراج، فجلس ليله يبكي من الفرح، يقول: بأي يد كانت مني؟ بأي شيء يترك مثلي على هذه الحال؟.
٨٩- لما لقى هرم أويسا قال: السلام عليك يا أويس بن عامر، قال: وعليك السلام يا هرم بن حيان. قال هرم: أما أني عرفتك بالصفة، فكيف عرفتني؟ قال: أرواح المؤمنين تشامّ كما تشامّ الخيل، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف. قال: أوصني، قال: عليك بالأسياف، يعني السواحل، قال: فمن أين المعاش؟ قال: أف، خالط الشك الموعظة، أتفرّ إلى الله بدينك وتتهمه في رزقك؟.