بهم فتوق أجوائها، وبين فجوات تلك الفروج زجل المسبحين منهم في حضائر القدس. وسترات الحجب، وسرادقات المجد، ووراء ذلك الرجيح الذي تستك منه الأسماع، سبحات نور تردع الأبصار عن بلوغها، فتقف خاسئة على حدودها؛ أنشأهم على صور مختلفات، وأقدار متفاوتات، أولي أجنحة تسبح جلال عزته، لا ينتحلون «١» ما ظهر في الخلق من صنعه، ولا يدعون أنهم يخلقون شيئا معه مما انفرد به، بل عباد مكرمون، لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون، جعلهم فيما هناك أهل الأمانة على وحيه، وحملهم إلى المرسلين ودائع أمره ونهيه، وعصمهم من ريب الشبهات، فما منهم زائغ عن سبيل مرضاته، وأمدهم بفوائد المعونة، وأشعر قلوبهم تواضع أخبات السكينة، وفتح لهم أبوابا ذللا إلى تماجيده، ونصب لهم منارا واضحة على أعلام توحيده، لم تثقلهم موصرات الآثام، ولم ترتحلهم عقب الليالي والأيام، ولم ترم الشكوك بنوازعها عزيمة إيمانهم، ولن تعترك الظنون على معاقد يقينهم، ولا قدحت قادحة إلا حن فيما بينهم، ولا سلبتهم الحيرة ما لاق من معرفته بضمائرهم، وما سكن من عظمته وهيبة جلالته في أثناء صدورهم، ولم تطمع فيهم الوساوس فتقترع برينها «٢» على قلوبهم. منهم من هم في خلق الغمام الدلج «٣» ، وفي عظم الجبال الشمخ، وفي قترة الظلام الأيهم «٤» ؛ ومنهم من قد خرقت أقدامهم تحوم الأرض السفلى، فهي كرايات بيض قد نفذت في مخارق الهواء، وتحتها ريح هفافة تحبسها على حيث انتهت من الحدود المتناهية، قد استفرغتهم أشغال عبادته، ووصلت حقائق الإيمان بينهم وبين معرفته، وقطعهم الأيقان به إلى الوله إليه، ولم تجاوز رغباتهم ما عنده إلى ما عند غيره؛ قد ذاقوا حلاوة معرفته، وشربوا بالكأس الروية