من محبته، وتمكّنت من سويداء قلوبهم وشيجة «١» خيفته، فحنوا بطول الطاعة اعتدال ظهورهم، ولم ينفد طول الرغبة إليه مادة تضرعهم، ولا أطلق عنهم عظيم الزلفة ربق خشوعهم، ولم يتولهم الإعجاب فيستكثروا ما سلف منهم، ولا تركت لهم استكانة الإجلال نصبا في تعظيم حسانتهم، ولم تجر الفترات فيهم على طول دؤوبهم، ولم تغض رغباتهم فيخالفوا عن رجاء ربهم، ولم تجف لطول المناجاة أسلات «٢» ألسنتهم، ولا ملكتهم الأشغال فتنقطع بهمس الجؤار «٣» إليه أصواتهم، ولم تختلف في مقاوم الطاعة مناكبهم، ولم يثنوا إلى راحة التقصير في أمره رقابهم، لا تعدو على عزيمة جدهم بلادة الغفلات، ولا تنتضل في هممهم خدائع الشهوات، قد اتخذوا ذا العرش ذخيرة ليوم فاقتهم، ويمموه عند انقطاع الخلق إلى المخلوقين برغبتهم، لا يقطعون أمد غاية عبادته، ولا يرجع بهم الاستهتار بلزوم طاعته، إلا إلى مواد من قلوبهم غير منقطعة من رجائه ومخافته، لم تنقطع أسباب الشفقة منهم فينوا «٤» في جدهم، ولم تأسرهم الأطماع فيؤثروا وشيك السعي على اجتهادهم، ولم يستعظموا ما مضى من أعمالهم، ولو استعظموا ذلك لنسخ الرجاء منهم شفقات وجلهم، ولم يختلفوا في ربهم باستحواذ الشيطان عليهم، ولم يفرقهم سوء التقاطع، ولا تولاهم غل التحاسد، ولا تشعبتهم مصارف الريب، ولا اقتسمتهم أخياف الهمم، فهم أسراء إيمان لم يفكهم من ربقته زيغ ولا عدول، ولا وني ولا فتور، وليس في أطباق السماوات موضع أهاب إلا وعليه ملك ساجد، أو ساع حاقد، يزدادون على طول الطاعة بربهم علما، وتزداد عزة ربهم في قلوبهم عظما.
- وعنه كرم الله وجهه: فتق ما بين السماوات العلا، فملأهن أطوارا