للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لِابْتِدَاءِ الْغَايَةِ، لَا أَنَّ الْبَيْتَ هُوَ الْمُتَكَلِّمُ! وَلَوْ كَانَ الْكَلَامُ مَخْلُوقًا فِي الشَّجَرَةِ، لَكَانَتِ الشَّجَرَةُ هِيَ الْقَائِلَةُ: {يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} (١). وَهَلْ قَالَ: {إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}، غَيْرُ رَبِّ الْعَالَمِينَ؟ وَلَوْ كَانَ هَذَا الْكَلَامُ بَدَا مِنْ غَيْرِ اللَّهِ لَكَانَ قَوْلُ فِرْعَوْنَ: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} صِدْقًا، إِذْ كُلٌّ مِنَ الْكَلَامَيْنِ عِنْدَهُمْ مَخْلُوقٌ قَدْ قَالَهُ غَيْرُ اللَّهِ! وَقَدْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ عَلَى أُصُولِهِمُ الْفَاسِدَةِ: أَنَّ ذَاكَ كَلَامٌ خَلَقَهُ اللَّهُ فِي الشَّجَرَةِ، وَهَذَا كَلَامٌ خَلَقَهُ فِرْعَوْنُ!! فَحَرَّفُوا وَبَدَّلُوا وَاعْتَقَدُوا خَالِقًا غَيْرَ اللَّهِ. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى مَسْأَلَةِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} (٢). وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّسُولَ أَحْدَثَهُ، إِمَّا جِبْرَائِيلُ أَوْ مُحَمَّدٌ.

قِيلَ: ذِكْرُ الرَّسُولِ مُعَرَّفٌ أَنَّهُ مُبَلِّغٌ عَنْ مُرْسِلِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَنَّهُ قَوْلُ مَلَكٍ أَوْ نَبِيٍّ، فَعُلِمَ أَنَّهُ بَلَّغَهُ عَمَّنْ أَرْسَلَهُ بِهِ، لَا أَنَّهُ أَنْشَأَهُ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ. وَأَيْضًا: فَالرَّسُولُ فِي إِحْدَى الْآيَتَيْنِ جِبْرِيلُ، وَفِي الْأُخْرَى مُحَمَّدٌ، فَإِضَافَتُهُ إِلَى كُلٍّ مِنْهُمَا تُبَيِّنُ أَنَّ الْإِضَافَةَ لِلتَّبْلِيغِ، إِذْ لَوْ أَحْدَثَهُ أَحَدُهُمَا امْتَنَعَ أَنْ يُحْدِثَهُ الْآخَرُ. وَأَيْضًا: فَقَوْلُهُ رَسُولٌ أَمِينٌ (٣)، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَزِيدُ فِي الْكَلَامِ الَّذِي أُرْسِلَ بِتَبْلِيغِهِ وَلَا يَنْقُصُ مِنْهُ، بَلْ هُوَ أَمِينٌ عَلَى مَا أُرْسِلَ بِهِ، يُبَلِّغُهُ عَنْ مُرْسِلِهِ.

وَأَيْضًا: فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ كَفَّرَ مَنْ جَعَلَهُ قَوْلَ الْبَشَرِ، وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ


(١) سورة القصص آية ٣٠.
(٢) سورة التكوير آية ١٩.
(٣) الآية التي ذكرها الشارح (إنه لقول رسول كريم) - جاءت مرتين: في سورة الحاقة: ٤٠، وليس فيما بعدها الوصف بلفظ (آمين) والأخرى في سورة التكوير: ١٩، ثم بعدها: (ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ. مُطَاعٍ ثم أمين) - ٢٠، ٢١. فتعبير الشارح بقوله: وأيضًا فقوله «رسول أمين"- فيه شيء من التساهل، لم يرد به حكاية التلاوة، وإنما أراد المعنى فقط. ولو قال: «وأيضًا فوصف الرسول بأنه (أمين) .. » كان أدق وأجود.

<<  <   >  >>