للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

طَيْرٍ. وَتَأَمَّلْ لَفْظَ الْحَدِيثَيْنِ، فَفِي الْمُوَطَّأِ أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ نَسَمَة الْمُؤْمِنِ طَائِرٍ يَعْلَقُ في شَجَرِ الْجَنَّة، حَتَّى يُرْجِعَه اللَّهُ إِلَى جَسَدِه يَوْمَ يَبْعَثُه»؛ فَقَوْلُهُ: "نَسَمَة الْمُؤْمِنِ"تَعُمُّ الشَّهِيدَ وَغَيْرَهُ، ثُمَّ خَصَّ الشَّهِيدَ بِأَنْ قَالَ: «هِيَ فِي جَوْفِ طَيْرٍ خُضْرٍ»، وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ فِي جَوْفِ طَيْرٍ صَدَقَ عَلَيْهَا أَنَّهَا طَيْرٌ، فَتَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْحَدِيثِ الْآخَرِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ، فَنَصِيبُهُمْ مِنَ النَّعِيمِ فِي الْبَرْزَخِ أَكْمَلُ مِنْ نَصِيبِ غَيْرِهِمْ مِنَ الْأَمْوَاتِ عَلَى فُرُشِهِمْ، وَإِنْ كَانَ الْمَيِّتُ [على فراشه] (١) أَعْلَى دَرَجَة مِنْ كَثِيرٍ مِنْهُمْ، [فَلَهُ] (٢) نَعِيمٌ يَخْتَصُّ بِهِ لَا يُشَارِكُه فِيهِ مَنْ هُوَ دُونَه، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ، كَمَا رُوِي فِي السُّنَنِ. وَأَمَّا الشُّهَدَاءُ فَقَدْ شُوهِدَ مِنْهُمْ بَعْدَ مُدَدٍ مِنْ دَفْنِه كَمَا هُوَ لَمْ يَتَغَيَّرْ، فَيُحْتَمَلُ بَقَاؤُه كَذَلِكَ فِي تُرْبَتِه إِلَى يَوْمِ مَحْشَرِه، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ يَبْلَى مَعَ طُولِ الْمُدَّة، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَكَأَنَّه - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - كُلَّمَا كَانَتِ الشَّهَادَة أَكْمَلَ، وَالشَّهِيدُ أَفْضَلَ، كَانَ بَقَاءُ جَسَدِه أَطْوَلَ.

قَوْلُهُ: (وَنُؤْمِنُ بِالْبَعْثِ وَجَزَاءِ الْأَعْمَالِ يَوْمَ الْقِيَامَة، وَالْعَرْضِ وَالْحِسَابِ، وَقِرَاءَة الْكِتَابِ، وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ، وَالصِّرَاطِ وَالْمِيزَانِ).

ش: الْإِيمَانُ بِالْمَعَادِ مِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَالْعَقْلُ وَالْفِطْرَة السَّلِيمَة. فَأَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَنْهُ فِي كِتَابِه الْعَزِيزِ، وَأَقَامَ الدَّلِيلَ عليه، وَرَدَّ على المُنْكِرِين، فِي غَالِبِ سُوَرِ الْقُرْآنِ.

وَذَلِكَ: أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ كُلَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ، فَإِنَّ الْإِقْرَارَ بِالرَّبِّ عَامٌّ فِي بَنِي آدَمَ، وَهُوَ فِطْرِي، كُلُّهُمْ يُقِرُّ بِالرَّبِّ، إِلَّا مَنْ عَانَدَ، كَفِرْعَوْنَ، بِخِلَافِ الْإِيمَانِ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ، فَإِنَّ مُنْكِرِيه كَثِيرُونَ، وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا كَانَ خَاتَمَ الْأَنْبِيَاءِ، وَكَانَ قَدْ بُعِثَ هُوَ وَالسَّاعَة كَهَاتَيْنِ. وَكَانَ هُوَ الْحَاشِرُ


(١) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل. واستدركناه من «الروح» ص ٩٨. ن
(٢) في الأصل: (فلهم). والتصويب من الروح ص ٩٨. ن

<<  <   >  >>