للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نَوْعٌ لَا يُرِيدُ إِلَّا الْخَيْرَ وَلَا يَتَأَتَّى مِنْهُ إِرَادَةُ سِوَاهُ، كَالْمَلَائِكَةِ.

وَنَوْعٌ لَا يُرِيدُ إِلَّا الشَّرَّ وَلَا يَتَأَتَّى مِنْهُ إِرَادَةُ سِوَاهُ، كالشيطان.

وَنَوْعٌ يَتَأَتَّى مِنْهُ إِرَادَةُ الْقِسْمَيْنِ، كَالْإِنْسَانِ. ثُمَّ جعله ثلاثة أصناف:

صنف يَغْلِبُ إِيمَانُهُ وَمَعْرِفَتُهُ وَعَقْلُهُ هَوَاهُ وَشَهْوَتَهُ، فَيَلْتَحِقُ بالملائكة.

وصنف عكسه، فيلتحق بالشياطين.

وصنف تَغْلِبُ شَهْوَتُهُ الْبَهِيمِيَّةُ عَقْلَهُ، فَيَلْتَحِقُ بِالْبَهَائِمِ.

وَالْمَقْصُودُ: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْطَى الْوُجُودَيْنِ: الْعَيْنِيَّ وَالْعِلْمِيَّ، فَكَمَا أَنَّهُ لَا مَوْجُودَ إِلَّا بِإِيجَادِهِ، فَلَا هِدَايَةَ إِلَّا بِتَعْلِيمِهِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ مِنَ الْأَدِلَّةِ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ، وَثُبُوتِ وَحْدَانِيَّتِهِ، وَتَحْقِيقِ رُبُوبِيَّتِهِ، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.

وَقَوْلُهُ: "فَمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ فَضْلًا مِنْهُ، وَمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ إِلَى النَّارِ عَدْلًا مِنْهُ" إِلَخْ -

مِمَّا يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَمْنَعُ الثَّوَابَ إِلَّا إِذَا مَنَعَ سَبَبَهُ، وَهُوَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ، فَإِنَّهُ: (مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يخاف ظلما ولا هضما). وَكَذَلِكَ لَا يُعَاقِبُ أَحَدًا إِلَّا بَعْدَ حُصُولِ سَبَبِ الْعِقَابِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} (١).

وَهُوَ سُبْحَانُهُ الْمُعْطِي الْمَانِعُ، لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَى، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ. لَكِنْ إِذَا مَنَّ عَلَى الْإِنْسَانِ بِالْإِيمَانِ [وَالْعَمَلِ] (٢) الصَّالِحِ، فَلَا يَمْنَعُهُ مُوجِبُ ذَلِكَ أَصْلًا، بَلْ يُعْطِيهِ مِنَ الثَّوَابِ وَالْقُرْبِ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. وَحَيْثُ مَنَعَهُ ذَلِكَ فَلِانْتِفَاءِ سَبَبِهِ (٣)، وَهُوَ الْعَمَلُ الصَّالِحُ.

وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ، وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ، لَكِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ حِكْمَةٌ منه


(١) الشورى ٣٠
(٢) الزيادة ضرورية بداهة
(٣) في المطبوعة «فلا انتفاء لسببه»؛ وهو كلام باطل محرف

<<  <   >  >>