للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{أَكْرَمَنِي} (١). الآية فَإِنِ اسْتَوَيا - الْفَقِيرُ الصَّابِرُ وَالْغَنِي الشَّاكِرُ - فِي التَّقْوَى، اسْتَوَيَا فِي الدَّرَجَة، وَإِنْ فَضَلَ أَحَدُهُمَا فِيهَا فَهُوَ الْأَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ، فَإِنَّ الْفَقْرَ وَالْغِنَى لَا يُوزَنَانِ، وَإِنَّمَا يُوزَنُ الصَّبْرُ وَالشُّكْرُ.

وَمِنْهُمْ مَنْ أَحَالَ الْمَسْأَلَةَ مِنْ وَجْه آخَرَ: وَهُوَ أَنَّ الْإِيمَانَ نِصْفٌ صَبْرٌ وَنِصْفٌ شُكْرٌ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْ صَبْرٍ وَشُكْرٍ. وَإِنَّمَا أَخَذَ النَّاسُ فَرْعًا مِنَ الصَّبْرِ وَفَرْعًا مِنَ الشُّكْرِ، وَأَخَذُوا فِي التَّرْجِيحِ، فَجَرَّدُوا غَنِيًّا مُنْفِقًا مُتَصَدِّقًا بَاذِلًا مَالَه فِي وُجُوبِ الْقُرْبِ شَاكِرًا لِلَّهِ عَلَيْهِ، وَفَقِيرًا مُتَفَرِّغًا لِطَاعَة اللَّهِ وَلِأَدَاءِ الْعِبَادَاتِ صَابِرًا عَلَى فَقْرِه. وَحِينَئِذٍ يُقَالُ: إِنَّ أَكْمَلَهُمَا أَطْوَعُهُمَا وَأَتْبَعُهُمَا، فَإِنْ تَسَاوَيَا تَسَاوَتْ دَرَجَتُهُمَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. ولَوْ صَحَّ التَّجْرِيدُ، لَصَحَّ أَنْ يُقَالَ: أَيُّمَا أَفْضَلُ، مُعَافًى شَاكِرٌ أَوْ مَرِيضٌ صَابِرٌ. أوَ مُطَاعٌ شَاكِرٌ أَوْ مُهَانٌ صَابِرٌ. أَوْ آمِنٌ شَاكِرٌ أَوْ خَائِفٌ صَابِرٌ؟ وَنَحْوُ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (وَالْإِيمَانُ: هُوَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِه، وَكُتُبِه، وَرُسُلِه، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَالْقَدَرِ، خَيْرِه وَشَرِّه، وَحُلْوِه وَمُرِّه، مِنَ اللَّهِ تَعَالَى).

ش: تَقَدَّمَ أَنَّ هَذِهِ الْخِصَالَ هِيَ أُصُولُ الدِّينِ، وَبِهَا أَجَابَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ الْمَشْهُورِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِه، حِينَ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صُورَة رَجُلٍ أَعْرَابِي، وَسَأَلَه عَنِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ: «أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاة، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا.» وَسَأَلَه عَنِ الْإِيمَانِ؟ فَقَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِه، وَكُتُبِه، وَرُسُلِه، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ، خَيْرِه وَشَرِّه.» وَسَأَلَه عَنِ الْإِحْسَانِ؟ فَقَالَ: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاه، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاه فَإِنَّهُ يَرَاكَ.» وَقَدْ ثَبَتَ كَذَلِكَ (٢) في الصَّحِيحِ عنه صلى الله عليه


(١) سورة الْفَجْرِ آية ١٥
(٢) في المطبوعة «ذلك»، وهو خطأ

<<  <   >  >>