وَالسُّنَّةِ فَهُوَ مَأْثُومٌ وَإِنْ أَصَابَ، وَمَنْ أَخَذَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَهُوَ مَأْجُورٌ وَإِنْ أَخْطَأَ، لَكِنْ إِنْ أَصَابَ يُضَاعَفُ أَجْرُهُ.
وَقَوْلُهُ: (وَالرُّؤْيَةُ حَقٌّ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ) تَخْصِيصُ أَهْلِ الْجَنَّةِ بِالذِّكْرِ، يُفْهَمُ مِنْهُ نَفْيُ الرُّؤْيَةِ عَنْ غَيْرِهِمْ. وَلَا شَكَّ فِي رُؤْيَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ لِرَبِّهِمْ فِي الْجَنَّةِ، وَكَذَلِكَ يَرَوْنَهُ فِي الْمَحْشَرِ قَبْلَ دُخُولِهِمُ الْجَنَّةَ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي ((الصَّحِيحَيْنِ)) عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ} (١). وَاخْتُلِفَ فِي رُؤْيَةِ أَهْلِ الْمَحْشَرِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ لَا يَرَاهُ إِلَّا الْمُؤْمِنُونَ.
الثَّانِي: يَرَاهُ أَهْلُ الْمَوْقِفِ، مُؤْمِنُهُمْ وَكَافِرُهُمْ، ثُمَّ يَحْتَجِبُ عَنِ الْكُفَّارِ وَلَا يَرَوْنَهُ بَعْدَ ذَلِكَ.
الثَّالِثُ: يَرَاهُ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُنَافِقُونَ دُونَ بَقِيَّةِ الْكُفَّارِ. وَكَذَلِكَ الْخِلَافُ فِي تَكْلِيمِهِ لِأَهْلِ الْمَوْقِفِ.
وَاتَّفَقَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَرَاهُ أَحَدٌ فِي الدُّنْيَا بِعَيْنِهِ، وَلَمْ يَتَنَازَعُوا فِي ذَلِكَ إِلَّا فِي نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً: مِنْهُمْ مَنْ نَفَى رُؤْيَتَهُ بِالْعَيْنِ، وَمِنْهُمْ مَنْ أَثْبَتَهَا لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي كِتَابِهِ"الشِّفَا"اخْتِلَافَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي رُؤْيَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْكَارَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنْ يَكُونَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ بِعَيْنِ رَأْسِهِ، وَأَنَّهَا قَالَتْ لِمَسْرُوقٍ حِينَ سَأَلَهَا: هَلْ رَأَى مُحَمَّدٌ رَبَّهُ؟ فَقَالَتْ: لَقَدْ قَفَّ شِعْرِي مِمَّا قُلْتَ، ثُمَّ قَالَتْ: مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ. ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ جَمَاعَةٌ بِقَوْلِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَاخْتُلِفَ عَنْهُ، وَقَالَ بِإِنْكَارِ هَذَا وَامْتِنَاعِ رُؤْيَتِهِ فِي الدُّنْيَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ
(١) سورة الْأَحْزَابِ آية ٤٤.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute