للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- ليسوا منكم ولا منا - موافقون لنا عَلَى هَذَا، فَإِنْ كَانَ حُكْمُ فِطَرِ بَنِي آدَمَ مَقْبُولًا تَرَجَّحْنَا عَلَيْكُمْ، وَإِنْ كَانَ مَرْدُودًا غَيْرَ مَقْبُولٍ بَطَلَ قَوْلُكُمْ بِالْكُلِّيَّةِ، فَإِنَّكُمْ إِنَّمَا بَنَيْتُمْ قَوْلَكُمْ عَلَى مَا تَدَّعُونَ أَنَّهُ مُقَدِّمَاتٌ مَعْلُومَةٌ بِالْفِطْرَةِ الْآدَمِيَّةِ، وَبَطَلَتْ عَقْلِيَّاتُنَا أَيْضًا، وَكَانَ السَّمْعُ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الْأَنْبِيَاءُ مَعَنَا لَا مَعَكُمْ، فَنَحْنُ مُخْتَصُّونَ بِالسَّمْعِ دُونَكُمْ، وَالْعَقْلُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ.

فَإِنْ قُلْتُمْ: أَكْثَرُ الْعُقَلَاءِ يَقُولُونَ بِقَوْلِنَا؟ قِيلَ: لَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَإِنَّ الَّذِينَ يصرحون بأن صانع العالم ليس هو فَوْقَ الْعَالَمِ [وَلَيْسَ فَوْقَ الْعَالَمِ شَيْءٌ مَوْجُودٌ] (١)، وَأَنَّهُ لَا مُبَايِنٌ لِلْعَالَمِ وَلَا حَالٌّ فِي الْعَالَمِ -: طَائِفَةٌ مِنَ النُّظَّارِ، وَأَوَّلُ مَنْ عُرِفَ عَنْهُ ذَلِكَ فِي الْإِسْلَامِ جَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ وَأَتْبَاعُهُ.

وَاعْتُرِضَ عَلَى الدَّلِيلِ الْفِطْرِيِّ: أَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ لِكَوْنِ السَّمَاءِ قِبْلَةً لِلدُّعَاءِ، كَمَا أَنَّ الْكَعْبَةَ قِبْلَةٌ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ هُوَ مَنْقُوضٌ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ عَلَى الْأَرْضِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي جِهَةِ الْأَرْضِ؟.

وَأُجِيبُ عَلَى هَذَا الِاعْتِرَاضِ مِنْ وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ قَوْلَكُمْ: إِنَّ السَّمَاءَ قِبْلَةٌ لِلدُّعَاءِ - لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنْ سَلَفِ الْأُمَّةِ، وَلَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهِ مِنْ سُلْطَانٍ، وَهَذَا مِنَ الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ الدِّينِيَّةِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْفَى عَلَى جَمِيعِ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَعُلَمَائِهَا.

الثَّانِي: أَنَّ قِبْلَةَ الدُّعَاءِ هِيَ قِبْلَةُ الصَّلَاةِ، فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلدَّاعِي أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَقْبِلُ الْقِبْلَةَ فِي دُعَائِهِ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ، فَمَنْ قَالَ إِنَّ لِلدُّعَاءِ قِبْلَةً غَيْرَ قِبْلَةِ الصَّلَاةِ، أَوْ إِنَّ لَهُ قِبْلَتَيْنِ: إِحْدَاهُمَا الْكَعْبَةُ وَالْأُخْرَى السَّمَاءُ - فَقَدِ ابْتَدَعَ فِي الدِّينِ، وَخَالَفَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ.

الثَّالِثُ: أَنَّ الْقِبْلَةَ: هِيَ مَا يَسْتَقْبِلُهُ الْعَابِدُ بوجهه، كما تستقبل الكعبة في


(١) سقطت من الأصل، وأثبتناها من بعض النسخ. ن.

<<  <   >  >>