للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَيَقُولُونَ: هَذَا أُصُولُ دِينِ الْإِسْلَامِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَجَاءَ مِنْ عِنْدِه، وَيَقْرَءُونَ كَثِيرًا مِنَ الْقُرْآنِ وَيُفَوِّضُونَ مَعْنَاهُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، مِنْ غَيْرِ تَدَبُّرٍ لِمَعْنَاه الَّذِي بَيَّنَه الرَّسُولُ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ مَعْنَاهُ الَّذِي أَرَادَه اللَّهُ.

وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى أَهْلَ الْكِتَابِ الْأَوَّلِ عَلَى هذه الصِّفَاتِ الثَّلَاثِ، وَقَصَّ علينا ذَلِكَ مِنْ خَبَرِهِمْ، لِنَعْتَبِرَ وَنَنْزَجِرَ عَنْ مِثْلِ طَرِيقَتِهِمْ. فَقَالَ تَعَالَى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} (١) إِلَى أَنْ قَالَ: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} (٢). وَالْأَمَانِي: التِّلَاوَة الْمُجَرَّدَة، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ} (٣). فَذَمَّهُمْ عَلَى نِسْبَة مَا كَتَبُوه إِلَى اللَّهِ، وَعَلَى اكْتِسَابِهِمْ بِذَلِكَ، فَكِلَا الْوَصْفَيْنِ ذَمِيمٌ: أَنْ يَنْسِبَ إِلَى اللَّهِ مَا لَيْسَ مِنْ عِنْدِه، وَأَنْ يَأْخُذَ بِذَلِكَ عِوَضًا مِنَ الدُّنْيَا مَالًا أَوْ رِيَاسَة.

نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَعْصِمَنَا مِنَ الزَّلَلِ، فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، بِمَنِّه وَكَرَمِه.

وَيُشِيرُ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ بِقَوْلِهِ: "مِنَ الشَّرْعِ وَالْبَيَانِ"إِلَى أَنَّ مَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَوْعَانِ: شَرْعٌ ابْتِدَائِي، وَبَيَانٌ لِمَا شَرَعَه اللَّهُ فِي كِتَابِه الْعَزِيزِ، وَجَمِيعُ ذَلِكَ حَقٌّ وَاجِبُ الِاتِّبَاعِ.

وَقَوْلُهُ: "وَأَهْلُه فِي أَصْلِه سَوَاءٌ، وَالتَّفَاضُلُ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِيقَة وَمُخَالَفَة الْهَوَى، وَمُلَازِمَة الْأَوْلَى". وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ: "بِالْخَشْيَة وَالتُّقَى"بَدَلَ قَوْلِهِ: "بِالْحَقِيقَة". فَفِي الْعِبَارَة الْأُولَى يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْكُلَّ مُشْتَرِكُونَ فِي أَصْلِ التَّصْدِيقِ، وَلَكِنَّ التَّصْدِيقَ يَكُونُ بَعْضُه أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ وَأَثْبَتَ، كَمَا تَقَدَّمَ نَظِيرُه بِقُوَّة الْبَصَرِ


(١) سورة الْبَقَرَة آية ٧٥
(٢) سورة الْبَقَرَة آية ٧٨
(٣) سورة الْبَقَرَة آية ٧٩

<<  <   >  >>