للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ} (١).

فَهَذِهِ النُّصُوصُ كُلُّهَا ثَبَتَ فِيهَا مُوَالَاة الْمُؤْمِنِينَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، وَأَنَّهُمْ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ، وَأَنَّ اللَّهَ وَلِيُّهُمْ وَمَوْلَاهُمْ. فَاللَّهُ يَتَوَلَّى عِبَادَه الْمُؤْمِنِينَ، فَيُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَه، وَيَرْضَى عَنْهُمْ وَيَرْضَوْنَ عَنْهُ، وَمَنْ عَادَى لَهُ وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَه بِالْمُحَارَبَة. وَهَذِهِ الْوِلَايَة مِنْ رَحْمَتِه وَإِحْسَانِه، لَيْسَتْ كَوِلَايَة الْمَخْلُوقِ لِلْمَخْلُوقِ لِحَاجَتِه إِلَيْهِ. قَالَ تَعَالَى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} (٢). فَاللَّهُ تَعَالَى لَيْسَ لَهُ وَلِي مِنَ الذُّلِّ، بَلْ لِلَّهِ الْعِزَّة جَمِيعًا، خِلَافَ الْمُلُوكِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَتَوَلَّاه لِذُلِّه وَحَاجَتِه إِلَى وَلِي يَنْصُرُه.

وَالْوِلَايَة مَعْنَاهَا أَيْضًا نَظِيرُ الْإِيمَانِ، فَيَكُونُ مُرَادُ الشَّيْخِ: أَنَّ أَهْلَهَا فِي أَصْلِهَا سَوَاءٌ، وَتَكُونُ كَامِلَة وَنَاقِصَة: فَالْكَامِلَة تَكُونُ لِلْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّقِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} {الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} (٣)، فَـ"الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ"- مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ صِفَة"أَوْلِيَاءِ اللَّهِ"، أَوْ بَدَلٌ مِنْهُ، أَوْ بِإِضْمَارِ [أَمْدَحُ] (٤)، أَوْ مَرْفُوعٌ بِإِضْمَارِ"هُمْ"، أَوْ خَبَرٌ ثَانٍ لِـ"إِنَّ"، وَأُجِيزَ فِيهِ الْجَرُّ، بَدَلًا مِنْ ضَمِيرِ"عَلَيْهِمْ". وَعَلَى هَذِهِ الْوُجُوه كُلِّهَا فَالْوِلَايَة لِمَنْ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ، وَهُمْ أَهْلُ الْوَعْدِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَاتِ الثَّلَاثِ. وَهِيَ عِبَارَة عَنْ مُوَافَقَة الْوَلِي الْحَمِيدِ فِي مَحَابِّه وَمَسَاخِطِه، لَيْسَتْ بِكَثْرَة صَوْمٍ وَلَا صلاة، وَلَا تَمَلقٍ وَلَا رِيَاضَة. وَقِيلَ: "الَّذِينَ آمَنُوا"مُبْتَدَأٌ، وَالْخَبَرُ"لَهُمُ الْبُشْرَى"، وَهُوَ بَعِيدٌ، لِقَطْعِ الْجُمْلَة [عَمَّا] (٥) قَبْلَهَا، وَانْتِثَارِ نَظْمِ الآية.


(١) سورة الْمَائِدَة الآيتان ٥٥، ٥٦
(٢) سورة الْإِسْرَاءِ آية ١١١
(٣) سورة يُونُسَ الآيات ٦٢ - ٦٤
(٤) في الأصل: (مدح). ولعل الصواب ما أثبتناه من سائر النسخ. ن
(٥) في الأصل: (مما). والصواب ما أثبتناه من سائر النسخ. ن

<<  <   >  >>