شَرْعًا وَأَمْرًا وَنَهْيًا، [وَهو أنَّ] (١) الْعِبَادَ وَإِنْ كَانُوا يُعْطَوْنَ جَدًّا: مُلْكًا وَعَظَمَة وَبَخْتًا وَرِيَاسَة، فِي الظَّاهِرِ، أَوْ فِي الْبَاطِنِ، كَأَصْحَابِ الْمُكَاشَفَاتِ وَالتَّصَرُّفَاتِ الْخَارِقَة - فَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْكَ الْجَدُّ، أَيْ لَا يُنْجِيه وَلَا يُخَلِّصُه، وَلِهَذَا قَالَ: لَا يَنْفَعُه مِنْكَ، وَلَمْ يَقُلْ وَلَا يَنْفَعُه عِنْدَكَ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قِيلَ ذَلِكَ أَوْهَمَ أَنَّهُ لَا يَتَقَرَّبُ بِهِ إِلَيْكَ، لَكِنْ قَدْ لَا يَضُرُّه.
فَتَضَمَّنَ هَذَا الْكَلَامُ تَحْقِيقَ التَّوْحِيدِ، أو تَحْقِيقَ قَوْلِهِ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}، فَإِنَّهُ لَوْ قُدِّرَ أَنَّ شَيْئًا مِنَ الْأَسْبَابِ يَكُونُ مُسْتَقِلًّا بِالْمَطْلُوبِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ بِمَشِيئَة اللَّهِ وَتَيْسِيرِه - لَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يُرْجَى إِلَّا اللَّهُ، وَلَا يُتَوَكَّلُ إِلَّا عَلَيْهِ، وَلَا يُسْأَلُ إِلَّا هُوَ، وَلَا يُسْتَغَاثُ إِلَّا بِهِ، وَلَا يُسْتَعَانُ إِلَّا هُوَ، فَلَهُ الْحَمْدُ، وَإِلَيْهِ الْمُشْتَكَى، وَهُوَ الْمُسْتَعَانُ، وَبِهِ الْمُسْتَغَاثُ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّة إِلَّا بالله. فَكَيْفَ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْأَسْبَابِ مُسْتَقِلًّا بِمَطْلُوبٍ، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ انْضِمَامِ أَسْبَابٍ أُخَرَ إِلَيْهِ، وَلَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ صَرْفِ الْمَوَانِعِ وَالْمُعَارِضَاتِ عَنْهُ، حَتَّى يَحْصُلَ الْمَقْصُودُ، فَكُلُّ سَبَبٍ فَلَهُ شَرِيكٌ، وَلَهُ ضِدٌّ، فَإِنْ لَمْ يُعَاوِنْه شَرِيكُه، وَلَمْ يَنْصَرِفْ عَنْهُ ضِدُّه - لَمْ تَحْصُلْ مَشِيئَة.
وَالْمَطَرُ وَحْدَه لَا يُنْبِتُ النَّبَاتَ إِلَّا بِمَا يَنْضَمُّ إِلَيْهِ مِنَ الْهَوَاءِ وَالتُّرَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ الزَّرْعُ لَا يَتِمُّ حَتَّى تُصْرَفَ عَنْهُ الْآفَاتُ الْمُفْسِدَة لَهُ، وَالطَّعَامُ وَالشَّرَابُ لَا يُغَذِّي إِلَّا بِمَا جُعِلَ فِي الْبَدَنِ مِنَ الْأَعْضَاءِ وَالْقُوَى، وَمَجْمُوعُ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ إِنْ لَمْ تُصْرَفْ عَنْهُ الْمُفَسِدَاتُ.
وَالْمَخْلُوقُ الَّذِي يُعْطِيكَ أَوْ يَنْصُرُكَ، فَهُوَ - مَعَ أَنَّ اللَّهَ يَجْعَلُ فِيهِ الْإِرَادَة وَالْقُوَّة وَالْفِعْلَ -: فَلَا يَتِمُّ مَا يَفْعَلُه إِلَّا بِأَسْبَابٍ كَثِيرَةٍ، خَارِجَة عَنْ قُدْرَتِه، تُعَاوِنُه عَلَى مَطْلُوبِه، وَلَوْ كَانَ مَلِكًا مُطَاعًا، وَلَا بُدَّ أَنْ يُصْرَفَ عَنِ الْأَسْبَابِ
(١) في الأصل: (وإن .. ) ولعل الصواب ما أثبتناه، كما في أكثر النسخ. ن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute