للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَمِنْ هَذَا قَوْلُهُ: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} (١) إِلَى آخِرِ السُّورَةِ. فَلَوْ رَامَ أَعْلَمُ الْبَشَرِ وَأَفْصَحُهُمْ وَأَقْدَرُهُمْ عَلَى الْبَيَانِ، أَنْ يَأْتِيَ بِأَحْسَنَ مِنْ هَذِهِ الْحُجَّة، أَوْ بِمِثْلِهَا، بِأَلْفَاظٍ تُشَابِه هذه الْأَلْفَاظَ في الْإِيجَازِ وَوَضَحِ الْأَدِلَّة (٢) وَصِحَّة الْبُرْهَانِ - لَمَا قَدَرَ. فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ افْتَتَحَ هَذِهِ الْحُجَّة بِسُؤَالٍ أَوْرَدَه مُلْحِدٌ، اقْتَضَى جَوَابًا، فَكَانَ فِي قَوْلِهِ: {وَنَسِيَ خَلْقَهُ} [مَا وَفَى] (٣) بِالْجَوَابِ، وَأَقَامَ الْحُجَّة وَأَزَالَ الشُّبْهَة، [لولا ما] (٤) أَرَادَ سُبْحَانَهُ [مِنْ] (٥) تَأْكِيدِ الْحُجَّة وَزِيَادَة تَقْرِيرِهَا - فَقَالَ: {قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} (٦) فَاحْتَجَّ بِالْإِبْدَاءِ عَلَى الْإِعَادَة، [وَبِالنَّشْأَة الْأُولَى] (٧) عَلَى النَّشْأَة الأخرى. إِذْ كلُّ عَاقِلٍ يَعْلَمُ [علما] (٨) ضَرُورِيًّا أَنَّ مَنْ قَدَرَ عَلَى هَذِهِ [قَدَرَ عَلَى هَذِهِ] (٩)، وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَاجِزًا عَنِ الثَّانِيَة لَكَانَ عَنِ الْأُولَى أَعْجَزَ وَأَعْجَزَ.

وَلَمَّا كَانَ الْخَلْقُ يَسْتَلْزِمُ قُدْرَة الْخَالِقِ عَلَى الْمَخْلُوقِ، وَعِلْمَه بِتَفَاصِيلِ خَلْقِه - أَتْبَعَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ: {وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} (١٠). فَهُوَ عَلِيمٌ بِتَفَاصِيلِ الْخَلْقِ الْأَوَّلِ وَجُزْئِيَّاتِه، وَمَوَادِّه وَصُورَتِه، فَكَذَلِكَ الثَّانِي. فَإِذَا كَانَ تَامَّ الْعِلْمِ، كَامِلَ الْقُدْرَة، كَيْفَ يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ أَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ؟.

ثُمَّ أَكَّدَ الْأَمْرَ بِحُجَّة قَاهِرَة، وَبُرْهَانٍ ظَاهِرٍ، يَتَضَمَّنُ جَوَابًا عَنْ سُؤَالِ مُلْحِدٍ آخَرَ يَقُولُ: الْعِظَامُ إِذَا صَارَتْ رَمِيمًا عَادَتْ طَبِيعَتُهَا بَارِدَة يَابِسَة، وَالْحَيَاة لَا بُدَّ أَنْ


(١) يس ٧٨
(٢) الوضح، بفتحتين: الضوء والبياض. يريد نصوع الأدلة وانتشار ضوئها كضوء النهار. وفي المطبوعة «ووضع الأدلة». وهو - فيما أرى - تحريف
(٣) في الأصل: (ما يفي). والصواب ما أثبتناه من سائر النسخ. ن
(٤) في الأصل: (لما). والتصويب من مختصر الصواعق المرسلة ١/ ١٠٠. ن
(٥) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل. وأثبتناه من مختصر الصواعق المرسلة ١/ ١٠٠. ن
(٦) يس ٧٩
(٧) في الأصل: (وبالإنشاء الأول). ولعل الصواب، ما أثبتناه من سائر النسخ. ن
(٨) سقطت من الأصل. والصواب إثباتها. ن
(٩) الزيادة ضرورية، يقتضيها نسق الكلام وتمامه
(١٠) يس ٧٩

<<  <   >  >>