للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} (١) - يُؤَيِّدُ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ.

الْجَوَابُ الثَّانِي: أَنَّ إِجَابَةَ دعاء السؤال أعم من إعطاء المسؤول، كَمَا فَسَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ بِهَا إِحْدَى ثلاث خصال: إما أن يعجل دَعْوَتَهُ، أَوْ يَدَّخِرَ لَهُ مِنَ الْخَيْرِ مِثْلَهَا، أَوْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنَ الشَّرِّ مِثْلَهَا قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذًا نُكْثِرُ. قَالَ: "اللَّهُ أَكْثَرُ» (٢). فَقَدْ أَخْبَرَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي الدَّعْوَةِ الْخَالِيَةِ عَنِ الْعُدْوَانِ مِنْ إِعْطَاءِ السُّؤَالِ مُعَجَّلًا، أَوْ مِثْلِهِ مِنَ الْخَيْرِ مُؤَجَّلًا، أَوْ يَصْرِفُ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهُ.

الْجَوَابُ الثَّالِثُ: أَنَّ الدُّعَاءَ سَبَبٌ مُقْتَضٍ لِنَيْلِ الْمَطْلُوبِ، وَالسَّبَبُ لَهُ شُرُوطٌ وَمَوَانِعُ، فَإِذَا حَصَلَتْ شُرُوطُهُ وَانْتَفَتْ مَوَانِعُهُ حَصَلَ الْمَطْلُوبُ، وَإِلَّا فَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ الْمَطْلُوبُ، بَلْ قَدْ يَحْصُلُ غَيْرُهُ. وَهَكَذَا سَائِرُ الْكَلِمَاتِ الطَّيِّبَاتِ، مِنَ الْأَذْكَارِ الْمَأْثُورَةِ الْمُعَلَّقِ عَلَيْهَا جَلْبُ مَنَافِعَ أَوْ دَفْعُ مَضَارَّ، فَإِنَّ الْكَلِمَاتِ بِمَنْزِلَةِ الْآلَةِ فِي يَدِ الْفَاعِلِ، تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ قُوَّتِهِ وَمَا يُعِينُهَا، وَقَدْ يُعَارِضُهَا مَانِعٌ مِنَ الْمَوَانِعِ. وَنُصُوصُ الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ الْمُتَعَارِضَةِ فِي الظَّاهِرِ- مِنْ هَذَا الْبَابِ. وَكَثِيرًا مَا تَجِدُ أَدْعِيَةً دَعَا بِهَا قَوْمٌ فَاسْتُجِيبَ لَهُمْ، وَيَكُونُ قَدِ اقْتَرَنَ بِالدُّعَاءِ ضَرُورَةُ صَاحِبِهِ وَإِقْبَالُهُ عَلَى اللَّهِ، أَوْ حَسَنَةٌ تَقَدَّمَتْ مِنْهُ، جَعَلَ الله سبحانه إجابة دعوته شكر الحسنة، أَوْ صَادَفَ وَقْتَ إِجَابَةٍ، وَنَحْوُ ذَلِكَ - فَأُجِيبَتْ دَعْوَتُهُ، فَيَظُنُّ أَنَّ السِّرَّ فِي ذَلِكَ الدُّعَاءِ، فَيَأْخُذُهُ مُجَرَّدًا عَنْ تِلْكَ الْأُمُورِ الَّتِي قَارَنَتْهُ مِنْ ذَلِكَ الدَّاعِي.

وَهَذَا كَمَا إِذَا اسْتَعْمَلَ رَجُلٌ دَوَاءً نَافِعًا فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَنْبَغِي، فانتفع به،


(١) غافر ٦٠
(٢) لم أجده بهذا السياق في صحيح مسلم، وقد روى أحمد نحوه في المسند: ١١١٥٠ من حديث أبي سعيد الخدري، وهو في مجمع الزوائد ١٠: ١٤٨ - ١٤٩. وروى الترمذي ٤: ٢٧٩ - ٢٨٠ نحو هذا المعنى مختصرا من حديث عبادة بن الصامت. وذكر في الزوائد ١٠: ١٤٧ حديث عبادة مطولا، من رواية الطبراني في الأوسط

<<  <   >  >>