بِاللَّهِ تَعَالَى! فَيُقَالُ لَهُ: غَلَيَانُ دَمِ الْقَلْبِ فِي الْآدَمِيِّ أَمْرٌ يَنْشَأُ عَنْ صِفَةِ الْغَضَبِ، [لَا أَنَّهُ الْغَضَبُ] (١). وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا: وَكَذَلِكَ الإرادة والمشيئة فينا، هي مَيْلُ الْحَيِّ إِلَى الشَّيْءِ أَوْ إِلَى مَا يُلَائِمُهُ وَيُنَاسِبُهُ، فَإِنَّ الْحَيَّ مِنَّا لَا يُرِيدُ إِلَّا مَا يَجْلِبُ لَهُ مَنْفَعَةً أَوْ يَدْفَعُ عَنْهُ مَضَرَّةً، وَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى مَا يُرِيدُهُ ومفتقر إليه، ويزداد بوجوده، وينقص بِعَدَمِهِ. فَالْمَعْنَى الَّذِي صَرَفْتَ إِلَيْهِ اللَّفْظَ كَالْمَعْنَى الَّذِي صَرَفْتَهُ عَنْهُ سَوَاءٌ، فَإِنْ جَازَ هَذَا جَازَ ذَاكَ، وَإِنِ امْتَنَعَ هَذَا امْتَنَعَ ذَاكَ.
فإن قالوا: [الْإِرَادَةُ] الَّتِي يُوصَفُ اللَّهُ بِهَا مُخَالِفَةٌ لِلْإِرَادَةِ الَّتِي يُوصَفُ بِهَا الْعَبْدُ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا حَقِيقَةً؟ قِيلَ لَهُ: فَقُلْ: إِنَّ الْغَضَبَ والرضا الَّذِي يُوصَفُ اللَّهُ بِهِ مُخَالِفٌ لِمَا يُوصَفُ بِهِ الْعَبْدُ، وَإِنْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا حَقِيقَةً. فَإِذَا كَانَ مَا يَقُولُهُ فِي الْإِرَادَةِ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ، لَمْ يَتَعَيَّنِ التَّأْوِيلُ، بَلْ يَجِبُ تَرْكُهُ؛ لِأَنَّكَ تَسْلَمُ مِنَ التَّنَاقُضِ، وَتَسْلَمُ أَيْضًا مِنْ تَعْطِيلِ مَعْنَى أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ بِلَا مُوجِبٍ. فَإِنَّ صَرْفَ الْقُرْآنِ عَنْ ظَاهِرِهِ وَحَقِيقَتِهِ بِغَيْرِ مُوجِبٍ حَرَامٌ، ولا يكون الموجب للصرف ما دل عَلَيْهِ عَقْلُهُ، إِذِ الْعُقُولُ مُخْتَلِفَةٌ، فَكَلٌّ يَقُولُ إن عقله دل عَلَى خِلَافِ مَا يَقُولُهُ الْآخَرُ!
وَهَذَا الْكَلَامُ يُقَالُ لِكُلِّ مَنْ نَفَى صِفَةً مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، لِامْتِنَاعِ مُسَمَّى ذَلِكَ فِي الْمَخْلُوقِ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يُثْبِتَ شَيْئًا لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى خِلَافِ مَا يَعْهَدُهُ حَتَّى فِي صِفَةِ الْوُجُودِ، فَإِنَّ وُجُودَ الْعَبْدِ كَمَا يَلِيقُ بِهِ، وَوُجُودَ الْبَارِي تَعَالَى كَمَا يَلِيقُ بِهِ، فَوُجُودُهُ تَعَالَى يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ الْعَدَمُ، وَوُجُودُ الْمَخْلُوقِ لَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ الْعَدَمُ، وَمَا سَمَّى بِهِ الرَّبُّ نَفْسَهُ وَسَمَّى بِهِ مَخْلُوقَاتِهِ، مِثْلَ الْحَيِّ وَالْعَلِيمِ وَالْقَدِيرِ، أَوْ سَمَّى بِهِ بَعْضَ صِفَاتِهِ، كَالْغَضَبِ وَالرِّضَى، وَسَمَّى بِهِ بَعْضَ صِفَاتِ عِبَادِهِ - فَنَحْنُ نَعْقِلُ بِقُلُوبِنَا مَعَانِيَ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، وَأَنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ مَوْجُودٌ، وَنَعْقِلُ أَنَّ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ قَدْرًا مُشْتَرَكًا، لَكِنَّ هذا المعنى لا يوجد في
(١) ما بين المعقوفتين سقط من الأصل، ولعل الصواب إثباته من سائر النسخ. ن
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute