نَصِيفَهُ» (١). انْفَرَدَ مُسْلِمٌ بِذِكْرِ سَبِّ خَالِدٍ لِعَبْدِ الرحمن، دون البخاري. فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِخَالِدٍ وَنَحْوِهُ: «لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي»، يَعْنِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَأَمْثَالَهُ، لِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ وَنَحْوَهُ هُمُ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ، وَهُمُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلُوا، وَهُمْ أَهْلُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، فَهُمْ أَفْضَلُ وَأَخَصُّ بِصُحْبَتِهِ مِمَّنْ أَسْلَمَ بَعْدَ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ، وَهُمُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَبَعْدَ مُصَالَحَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ مَكَّةَ، وَمِنْهُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ، وَهَؤُلَاءِ أَسْبَقُ مِمَّنْ تَأَخَّرَ إِسْلَامُهُمْ إِلَى فَتْحِ مَكَّةَ، وَسُمُّوا الطُّلَقَاءَ، مِنْهُمْ أَبُو سُفْيَانَ وَابْنَاهُ يَزِيدُ وَمُعَاوِيَةُ.
وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ نهى من له صحبة أخرى أن يسب من له صحبة أولى، لِامْتِيَازِهِمْ عَنْهُمْ مِنَ الصُّحْبَةِ بِمَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَشْرَكُوهُمْ فِيهِ، حَتَّى لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُهُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ.
فَإِذَا كَانَ هَذَا حَالَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَإِنْ كَانَ قَبْلَ فَتْحِ مَكَّةَ - فَكَيْفَ حَالُ مَنْ لَيْسَ مِنَ الصَّحَابَةِ بِحَالٍ مَعَ الصَّحَابَةِ؟ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ.
وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ - مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ - هُمُ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلُوا، وَأَهْلُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ كُلُّهُمْ مِنْهُمْ، وَكَانُوا أَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةٍ.
وَقِيلَ: إِنَّ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مَنْ صَلَّى إِلَى الْقِبْلَتَيْنِ، وَهَذَا ضَعِيفٌ. فَإِنَّ الصَّلَاةَ إِلَى الْقِبْلَةِ الْمَنْسُوخَةِ لَيْسَ بِمُجَرَّدِهِ فَضِيلَةً، لِأَنَّ النَّسْخَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِمْ، وَلَمْ يَدُلَّ عَلَى التَّفْضِيلِ بِهِ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ، كَمَا دَلَّ عَلَى التَّفْضِيلِ بِالسَّبْقِ إِلَى الْإِنْفَاقِ وَالْجِهَادِ وَالْمُبَايَعَةِ الَّتِي كَانَتْ تَحْتَ الشَّجَرَةِ.
وَأَمَّا مَا يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ، بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ» - فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، قال البزار: هذا حديث
(١) صحيح مسلم ٢: ٢٧٣. وصححنا لفظه هنا منه
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute