للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

"أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ"، وَفِطْرَةُ الْإِسْلَامِ: هِيَ مَا فَطَرَ عَلَيْهِ عِبَادَهُ مِنْ مَحَبَّتِهِ وَعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَالِاسْتِسْلَامُ لَهُ عُبُودِيَّةً وَذُلًّا وَانْقِيادًا وَإِنَابَةً.

فَهَذَا تَوْحِيدُ خَاصَّةِ الْخَاصَّةِ، الَّذِي مَنْ رَغِبَ عَنْهُ فَهُوَ مِنْ أَسْفَهِ السُّفَهَاءِ. قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} {إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} (١).

وَكُلُّ مَنْ لَهُ حِسٌّ سَلِيمٌ وَعَقْلٌ يُمَيِّزُ بِهِ، لا يَحْتَاجُ فِي الِاسْتِدْلَالِ إِلَى أَوْضَاعِ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْجَدَلِ وَاصْطِلَاحِهِمْ وَطُرُقِهِمْ الْبَتَّةَ، بَلْ رُبَّمَا يَقَعُ بِسَبَبِهَا فِي شُكُوكٍ وَشُبَهٍ يَحْصُلُ لَهُ بِهَا الْحَيْرَةُ بِالضَّلَالِ وَالرِّيبَةِ، فَإِنَّ التَّوْحِيدَ إِنَّمَا يَنْفَعُ إِذَا سَلِمَ قَلْبُ صَاحِبِهِ مِنْ ذَلِكَ. وَهَذَا هُوَ الْقَلْبُ السَّلِيمُ الَّذِي لَا يُفْلِحُ (٢) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِهِ.

وَلَا شَكَّ أَنَّ النَّوْعَ الثَّانِيَ وَالثَّالِثَ مِنَ التَّوْحِيدِ، الَّذِي ادَّعَوْا أَنَّهُ تَوْحِيدُ الْخَاصَّةِ وَخَاصَّةِ الْخَاصَّةِ، يَنْتَهِي إِلَى الْفَنَاءِ الَّذِي يُشَمِّرُ إِلَيْهِ غَالِبُ الصُّوفِيَّةِ، وَهُوَ دَرْبٌ خَطِرٌ، يُفْضِي إِلَى الِاتِّحَادِ، [انْظُرْ إِلَى مَا أَنْشَدَه] (٣) شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَبُو إِسْمَاعِيلَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - حَيْثُ يَقُولُ شعرا:

مَا وَحَّدَ الْوَاحِدَ مِنْ وَاحِدٍ ... إِذْ كُلُّ مَنْ وَحَّدَهُ جَاحِدُ

تَوْحِيدُ مَنْ [يَنْطِقُ عَنْ نَعْتِهِ] ... عَارِيَّةٌ أَبْطَلَهَا الْوَاحِدُ

تَوْحِيدُهُ إِيَّاهُ تَوْحِيدُهُ ... وَنَعْتُ مَنْ يَنْعَتُهُ لَاحِدُ

وَإِنْ كَانَ قَائِلُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ الِاتِّحَادَ، لَكِنْ ذَكَرَ لَفْظًا مُجْمَلًا مُحْتَمَلًا


(١) سورة الْبَقَرَةِ الآيتان: ١٣٠ - ١٣١.
(٢) في الأصل: (لا يصلح) والصواب ما أثبتناه، كما في سائر النسخ. ن.
(٣) في الأصل: (الاتحاد، إلى ما أنشد.) والصواب ما أثبتناه، كما في سائر النسخ. ن.

<<  <   >  >>