للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَلَا رَسُولُهُ تَشْبِيهٌ.

وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ: مَنْ وَصَفَ اللَّهَ بشيء فَشَبَّهَ صِفَاتِهِ بِصِفَاتِ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ فَهُوَ كَافِرٌ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ، وَقَالَ: علامَةُ جَهْمٍ وَأَصْحَابِهِ دَعْوَاهُمْ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ مَا أُولِعُوا بِهِ مِنَ الْكَذِبِ -: أَنَّهُمْ مُشَبِّهَةٌ، بَلْ هُمُ الْمُعَطِّلَةُ. وَكَذَلِكَ قَالَ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ: عَلَامَةُ الْجَهْمِيَّةِ تَسْمِيَتُهُمْ أَهْلَ السُّنَّةِ مُشَبِّهَةً، فَإِنَّهُ مَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ نُفَاةِ شَيْءٍ مِنَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ إِلَّا يُسَمِّي الْمُثْبِتَ لَهَا مُشَبِّهًا، فَمَنْ أَنْكَرَ أَسْمَاءَ اللَّهِ بِالْكُلِّيَّةِ مِنْ غَالِيَةِ الزَّنَادِقَةِ، الْقَرَامِطَةِ وَالْفَلَاسِفَةِ، وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُقَالُ لَهُ: عَالِمٌ وَلَا قَادِرٌ-: يَزْعُمُ أَنَّ مَنْ سَمَّاهُ بِذَلِكَ فَهُوَ مُشَبِّهٌ؛ لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي الِاسْمِ يُوجِبُ الِاشْتِبَاهَ فِي مَعْنَاهُ، وَمَنْ أَثْبَتَ الِاسْمَ وَقَالَ: هُوَ مَجَازٌ، كَغَالِيَةِ الْجَهْمِيَّةِ، يَزْعُمُ أَنَّ مَنْ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَالِمٌ حَقِيقَةً؛ قَادِرٌ حَقِيقَةً -: فَهُوَ مُشَبِّهٌ، وَمَنْ أَنْكَرَ الصِّفَاتِ وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ لَهُ عِلْمٌ وَلَا قُدْرَةٌ وَلَا كَلَامٌ وَلَا مَحَبَّةٌ وَلَا إِرَادَةٌ - قَالَ لِمَنْ أَثْبَتَ الصِّفَاتِ: إِنَّهُ مُشَبِّهٌ، وَإِنَّهُ مُجَسِّمٌ. وَلِهَذَا كُتُبُ نُفَاةِ الصِّفَاتِ، مِنَ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالرَّافِضَةِ وَنَحْوِهِمْ، كُلُّهَا مَشْحُونَةٌ بِتَسْمِيَةِ مُثْبِتِي الصِّفَاتِ مُشَبِّهَةً وَمُجَسِّمَةً، وَيَقُولُونَ فِي كُتُبِهِمْ: إِنَّ مِنْ جُمْلَةِ الْمُجَسِّمَةِ قَوْمًا يُقَالُ لَهُمُ: الْمَالِكِيَّةُ، يُنْسَبُونَ إِلَى رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، وَقَوْمًا يُقَالُ لَهُمُ الشَّافِعِيَّةُ، يُنْسَبُونَ إِلَى رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ!! حَتَّى الَّذِينَ يُفَسِّرُونَ الْقُرْآنَ مِنْهُمْ، كَعَبْدِ الْجَبَّارِ، وَالزَّمَخْشَرِيِّ، وَغَيْرِهِمَا، يُسَمُّونَ كُلَّ مَنْ أَثْبَتَ شَيْئًا مِنَ الصِّفَاتِ وَقَالَ بِالرُّؤْيَةِ - مُشَبِّهًا. وَهَذَا الِاسْتِعْمَالُ قَدْ غَلَبَ عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ غَالِبِ الطَّوَائِفِ.

وَلَكِنَّ الْمَشْهُورَ مِنِ اسْتِعْمَالِ هَذَا اللَّفْظِ عِنْدَ عُلَمَاءِ السُّنَّةِ الْمَشْهُورِينَ: أَنَّهُمْ لَا يُرِيدُونَ بِنَفْيِ التَّشْبِيهِ نَفْيَ الصِّفَاتِ، وَلَا يَصِفُونَ بِهِ كُلَّ مَنْ أَثْبَتَ الصِّفَاتِ. بَلْ مُرَادُهُمْ أَنَّهُ لَا يُشْبِهُ الْمَخْلُوقَ فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ، كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ كَلَامِ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهُ تَعَالَى يَعْلَمُ لَا كَعِلْمِنَا، وَيَقْدِرُ لَا كَقُدْرَتِنَا،

<<  <   >  >>