للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«وَعَنْ أَبِي مُوسَى: " أَنَّهُ أَهَلَّ بِإِهْلَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: فَقَدِمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: هَلْ سُقْتَ مِنْ هَدْيٍ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ».

وَكَانَ عَلِيٌّ قَدْ أَهَلَّ بِإِهْلَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَاقَ الْهَدْيَ فَلَمْ يَحِلَّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ.

فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ: نُصُوصٌ فِي أَنَّ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ لَا يَحِلُّ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ سَوَاءٌ كَانَ مُتَمَتِّعًا، أَوْ مُفْرِدًا أَوْ قَارِنًا ; لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنَعَ كُلَّ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ مِنَ الْإِحْلَالِ، وَقَدْ كَانَ فِيهِمُ الْمُتَمَتِّعُ وَالْمُفْرِدُ وَالْقَارِنُ وَلَمْ يَسْتَثْنِ الْمُتَمَتِّعَ، وَلَوْ جَازَ الْحِلُّ لِلْمُتَمَتِّعِ لَوَجَبَ اسْتِثْنَاؤُهُ وَبَيَانُ ذَلِكَ ; لِأَنَّ تَأْخِيرَ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ ; وَلِأَنَّهُ جَعَلَ سَوْقَ الْهَدْيِ هُوَ الْمَانِعَ مِنَ الْإِحْلَالِ وَلَمْ يُعَلِّقِ الْمَنْعَ بِغَيْرِهِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ مَانِعٌ فِي حَقِّ الْمُتَمَتِّعِ كَمَا أَنَّهُ مَانِعٌ مِنَ الْفَسْخِ فِي حَقِّ الْمُفْرِدِ وَالْقَارِنِ، إِذْ لَوْ كَانَ هُنَاكَ مَانِعٌ آخَرُ لَبَيَّنَهُ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ جَازَ لَهُ الْفَسْخُ سَوَاءٌ كَانَ خَاصًّا فِي حَقِّ الصَّحَابَةِ أَوْ عَامًّا لِلْمُسْلِمِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَمَتِّعِ فِي جَوَازِ الْإِحْلَالِ، فَلَمَّا مُنِعَ أَصْحَابُ الْهَدْيِ مِنَ الْإِحْلَالِ عُلِمَ أَنَّ سَوْقَ الْهَدْيِ مَانِعٌ مِنَ الْإِحْلَالِ حَيْثُ يَجُوزُ الْحِلُّ لِغَيْرِ السَّائِقِ.

وَلِأَنَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ نَصٌّ خَاصٌّ فِي الْمُتَمَتِّعِ إِذَا سَاقَ الْهَدْيَ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ وَيَقْضِيَ حَجَّتَهُ.

وَأَيْضًا: فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَالَ: {وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: ١٩٦] وَالْحَلْقُ: هُوَ أَوَّلُ التَّحَلُّلِ بِمَنْزِلَةِ السَّلَامِ مِنَ الصَّلَاةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْتُ هَدْيِي فَلَا أُحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ " وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: " مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ فَلَا يُحِلُّ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ» " فَعُلِمَ أَنَّ الْإِحْلَالَ وَالنَّحْرَ لَا يَكُونُ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْإِحْلَالُ حَتَّى يَحِلَّ نَحْرُ الْهَدْيِ، وَلَا يَحِلُّ نَحْرُ الْهَدْيِ إِلَى يَوْمِ النَّحْرِ كَمَا بَيَّنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; وَذَلِكَ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>