للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُهِلِّينَ بِالْحَجِّ مَعَ النِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ طُفْنَا بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُحْلِلْ، قَالَ: فَقُلْنَا: أَيُّ الْحِلِّ؟ قَالَ: الْحِلُّ كُلُّهُ. فَأَتَيْنَا النِّسَاءَ، وَلَبِسْنَا الثِّيَابَ، وَمَسَسْنَا الطِّيبَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ، وَكَفَانَا الطَّوَافُ الْأَوَّلُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ، وَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّهُمْ تَمَتَّعُوا وَاكْتَفَوْا بِطَوَافٍ وَاحِدٍ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَحَدِيثُ عَائِشَةَ الَّذِي قَالَتْ فِيهِ: «فَطَافَ الَّذِينَ كَانُوا أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حَلُّوا، ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ، وَأَمَّا الَّذِينَ جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا».

وَكَذَلِكَ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمِ: " وَلِأَنَّكُمْ قَدِ اسْتَحْبَبْتُمْ طَوَافَيْنِ، وَإِذَا كَانَ الصَّحَابَةُ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِ اقْتَصَرُوا عَلَى طَوَافٍ وَاحِدٍ، فَلَا مَعْنَى لِاسْتِحْبَابِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِمْ.

قُلْنَا: لَعَلَّ جَابِرًا أَخْبَرَ عَنْ بَعْضِ الْمُتَمَتِّعِينَ، وَعَائِشَةُ أَخْبَرَتْ عَنْ بَعْضِهِمْ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا خَلْقًا كَثِيرًا، فَأَخْبَرَ جَابِرٌ عَمَّا فَعَلَهُ هُوَ وَمَنْ يَعْرِفُهُ، وَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ عَمَّا فَعَلَهُ مَنْ تَعْرِفُهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ، عَلَى أَنَّ أَحَادِيثَ جَابِرٍ وَأَصْحَابِهِ مُفَسَّرَةٌ وَاضِحَةٌ لَا احْتِمَالَ فِيهَا.

وَإِنَّمَا اسْتَحَبَّ أَحْمَدُ الطَّوَافَيْنِ؛ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ؛ وَلِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَأَتَمُّ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْمُتَمَتِّعَ إِنَّمَا يَفْعَلُ عُمْرَةً فِي حَجَّةٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّهُ قَدْ أَدْخَلَ عَلَيْكُمْ فِي حَجِّكُمْ عُمْرَةً» فَهُوَ حَاجٌّ مِنْ حِينِ يُحْرِمُ بِالْعُمْرَةِ، بِخِلَافِ الْعُمْرَةِ الْمُفْرَدَةِ، فَذَلِكَ السَّعْيُ يُجْزِئُ عَنْ عُمْرَتِهِ وَحَجِّهِ.

[مَسْأَلَةٌ على القارن والمتمع دم]

مَسْأَلَةٌ: (لَكِنْ عَلَيْهِ وَعَلَى الْمُتَمَتِّعِ دَمٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى:

<<  <  ج: ص:  >  >>