للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ شَرْطًا لِلْحَجِّ بِمَنْزِلَةِ الطَّهَارَةِ لِلصَّلَاةِ، وَهُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنْ مُصَنِّفِي الْخِلَافِ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَيَشْهَدُ لَهُ مِنْ أُصُولِنَا: انْعِقَادُهُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَسُقُوطُ الْفَرْضِ عَنِ الْعَبْدِ وَالصَّبِيِّ إِذَا عَتَقَ وَبَلَغَ قَبْلَ الْإِفَاضَةِ مِنْ عَرَفَاتٍ، وَإِنْ كَانَ الْإِحْرَامُ قَدِ انْعَقَدَ قَبْلَ وُجُوبِ الْحَجِّ، فَإِنَّ أَرْكَانَ الْعِبَادَةِ لَا تُفْعَلُ قَبْلَ وُجُوبِهَا، وَلَا قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِهَا.

وَالتَّحْقِيقُ: أَنَّهُ أَصْلٌ مُنْفَرِدٌ بِنَفْسِهِ كَمَا أَنَّ الْحَجَّ عِبَادَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا، وَهُوَ يُشْبِهُ أَرْكَانَ الْعِبَادَةِ مِنْ وَجْهٍ، وَشُرُوطَهَا مِنْ وَجْهٍ، فَإِنَّهُ رُكْنٌ مُسْتَدَامٌ إِلَى آخِرِ الْعِبَادَةِ.

الْمَعْنَى الثَّانِي لِلْإِحْرَامِ: هُوَ التَّجَرُّدُ عَنِ الْمَخِيطِ وَكَشْفُ الرَّأْسِ، وَاجْتِنَابُ الْمَحْظُورَاتِ. وَهَذَا هُوَ وَاجِبٌ لَيْسَ بِرُكْنٍ وَلَا شَرْطٍ. فَمَنْ فَهِمَ الْإِحْرَامَ هَذَا الْمَعْنَى، قَالَ: إِنَّ أَرْكَانَ الْحَجِّ رُكْنَانِ، وَمَنْ فَهِمَ الْمَعْنَى الْأَوَّلَ قَالَ: أَرْكَانُهُ ثَلَاثَةٌ، وَمَنِ اعْتَقَدَ الْإِحْرَامَ شَرْطًا قَالَ: إِنَّ أَرْكَانَهُ رُكْنَانِ، فَعَلَى هَذَا قِيلَ: الْإِحْرَامُ شَرْطٌ، وَقِيلَ: هُوَ رُكْنٌ، وَقِيلَ: هُوَ وَاجِبٌ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ.

[مَسْأَلَةٌ واجبات الحج]

[مسألة الْإِحْرَامُ مِنَ الْمِيقَاتِ]

مَسْأَلَةٌ: (وَوَاجِبَاتُهُ: الْإِحْرَامُ مِنَ الْمِيقَاتِ).

وَجُمْلَةُ ذَلِكَ: أَنَّ وَاجِبَاتِ الْحَجِّ هِيَ عِبَارَةٌ عَمَّا يَجِبُ فِعْلُهُ، وَلَا يَجُوزُ تَرْكُهُ إِلَّا لِعُذْرٍ، وَإِذَا تَرَكَهُ كَانَ عَلَيْهِ دَمٌ يَجْبُرُ بِهِ حَجَّهُ، وَيَصِحُّ الْحَجُّ بِدُونِهِ، لَكِنْ هَلْ يَتِمُّ الْحَجُّ قَبْلَ إِخْرَاجِ الْهَدْيِ؟. . .

فَأَوَّلُ الْوَاجِبَاتِ أَنْ يُحْرِمَ مِنَ الْمِيقَاتِ، وَهُوَ أَنْ يُنْشِئَ النِّيَّةَ وَيَعْقِدَ الْإِحْرَامَ مِنَ الْمِيقَاتِ، فَالْوَاجِبُ هُوَ الِابْتِدَاءُ بِالْإِحْرَامِ مِنَ الْمِيقَاتِ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْإِحْرَامُ، وَابْتِدَاؤُهُ مِنَ الْمِيقَاتِ إِذَا عَنَى بِالْإِحْرَامِ تَرْكَ الْمَحْظُورِ كَمَا تَقَدَّمَ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «يُهِلُّ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ، وَأَهْلُ الشَّامِ مِنَ الْجُحْفَةِ» " وَهَذَا خَبَرٌ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ، وَإِلَّا لَزِمَ مُخَالَفَتُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>